منتديـــات المدرســــــة العليـــــا للأساتــــــذة بوزريعــــــة
مرحبا بك زائرنا الكريم ،إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات ،كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع و الإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغبENSB .

منتديـــات المدرســــــة العليـــــا للأساتــــــذة بوزريعــــــة
مرحبا بك زائرنا الكريم ،إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات ،كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع و الإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغبENSB .

منتديـــات المدرســــــة العليـــــا للأساتــــــذة بوزريعــــــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالتعريف  بالمدرأحدث الصورالتسجيلدخول
 ترقبوا جديد الأخبار على هذا الشريط ..
 تم فتح باب طلبات الاشراف لمن يود ذلك يضع طلبه في المجموعات ( المشرفون) ملاحظة: يجب مراجعة قوانين طلبات الاشراف قبل و ضع الطلب .

 

 هكذا كتبوا عن الصعاليك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مــيــمــي
مساعدة إدارية
مساعدة إدارية
مــيــمــي


انثى
عدد المساهمات : 1745
نقاط النشاط : 4423
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
نوع المتصفح : هكذا كتبوا عن الصعاليك  Fmfire10

هكذا كتبوا عن الصعاليك  Empty
مُساهمةموضوع: هكذا كتبوا عن الصعاليك    هكذا كتبوا عن الصعاليك  Emptyالأحد 21 أكتوبر 2012, 13:27

1-لعله من الصعوبة بمكان أن نجزم بأن الشعر العربي الذي ينسب إلى الصعاليك قد أُلّف من قبل هؤلاء الشعراء الذين ينسب إليهم فعلاً ، فمع أنَّنا لا ننكر أن هذه الظاهرة الشعرية قد انتشرت خلال العصر الجاهلي ، وأن هذا الشعر نظم من لدن شعراء جاهليين ، إلا أننا نرى أن بعض هذا الشعر ليس بالضرورة من هؤلاء الصعاليك الذين تحدثت عنهم كتب التاريخ الأدبي ، والروايات المنقولة ، وإنما نسب بعضه إليهم نسباً ، لاسيما ذلك الشعر الذي يروج للقصص الخيالية التي تتأرجح بين المغامرات التي لا يتصورها العقل ، والحجة في ذلك أننا نجد شعر الصعاليك مبعثراً في ثنايا كتب الرواة ، فضلاً عن الإختلاف البين في نسبة هذا الشعر الذي وصلنا بوساطة الرواية الشفوية ، وفي ذلك ما يجعلنا نتحفظ في مثل تلك الأشعار المنسوبة إلى الشنفرى وتأبط شراً وعروة بن الورد والسليك بن السلكة وغيرهم ، بيد أننا سنعالج هذا الشعر في ضوء الصورة التي وصل بها إلينا قصد الوقوف عند خصائصه الفنية ومثله المتضاربة.‏

لقد حفلت المصادر العربية التي عنيت بجمع التراث الشعري العربي الجاهلي بتدوين نتف من أشعار الصعاليك ، حيث لم نحصل على جل هذا الشعر مطبوعاً في دواوين مستقلة ، ولكننا نجده متناثراً في الأغاني للأصفهاني وفي الحماسة لأبي تمام ، وفي كتب أخرى متفرقة ، فضلاً عن بعضه المطبوع في دواوين مثل شعر تأبط شراً ، ومما يسترعي الإنتباه أن شعر الصعاليك يمثل مستوى فنياً راقياً مما يجعلنا نميل إلى عدّه من عيون الشعر الجاهلي مبنى ومعنى ، وبذلك يمكن أن نسجل التساؤل التالي : هل مثَّل الصعاليك نخبة مثقفة أعلنت ثورتها وتمردها على مختلف الأصعدة الإجتماعية والفكرية والسياسية ، أم أن الأمر لا يتعدى مجموعة من قطاع الطرق ولصوص الفيافي ؟؟‏

ويبدو أن جزء من الحقيقة يتوفر في الشق الأول من التساؤل السابق ، في حين يحتوي الشق الثاني من التساؤل نفسه على الجزء الآخر من هذه الحقيقية ، ذلك أن المجتمع الجاهلي هو مجتمع قبلي يمثل مجموعة من القيم غير المستقرة ، ومن ثم لا نتصور أن أهله قد بلغوا تلك المرحلة من النضج الفكري والإجتماعي ، الذي يجعلهم يجتمعون ويضعون مشروعاً إجتماعياً وسياسياً بديلاً عما هو سائد ، وفي الوقت نفسه ليس صحيحاً ما ينقل عن هؤلاء الصعاليك على أنهم مجرد قطاع طرق يتحينون الفرص لاقتسام الغنائم دون وازع من ضمير.‏

فحين نطلع على أشعار الشنفرى ، وتأبط شراً ، وعروة بن الورد ، والسليك بن السلكة ، وغيرهم ، نجد ظاهرة شعرية لا تنم على أنَّ أصحابها مجرد صعاليك ، ولكنهم يمثلون فئة إجتماعية مستنيرة راعتها المظالم الإجتماعية والتجاوزات القبلية ، فأعلنت ثورتها وتمردها على بعض تلك القيم الجائرة ، مثل إستفحال ظاهرة الغنى والفقر، وما يترتب على ذلك من مظالم ، في ضوء ما ظهر في المجتمع الجاهلي ، من صراع طبقي وعرفي ، ولو على مستوى ضيق نسبياً ، ومن ثمة صور هؤلاء الشعراء تلك الأوضاع السائدة ، برغم ما اكتنف هذا التصوير من مبالغة وتطرف ، وما أضفوه من أخيلة مجنحة أحياناً.‏

ونتفق مع من يذهب إلى أن ظاهرة الصعلكة ظلت غير واضحة المعالم بشكل مطلق ، لأن ما وصل إلينا من أشعار هؤلاء الصعاليك ـ على الرغم من أنه قد يفي بالحاجة إلى تكوين فكرة عامة عن أهدافهم ومشاربهم وأخبارهم ـ إلا أن ذلك يفرض تساؤلاً آخر له علاقة بالتساؤل السابق ، فهل اعتنى الرواة ـ مثلاً ـ بجمع جميع أشعار الصعاليك ، أم أنهم اقتصروا على جمع شعر المشهورين منهم فحسب ، ولا شك أنه تكمن وراء ذلك حقائق عدة ، من ضمنها أن هناك جوانب فنية وموضوعية غابت بغياب تلك الأشعار، لأن الرواة إمَّا أنهم لم يطلعوا عليها أصلاً ، أو لأنَّها لا تنسجم مع ميولهم وأهدافهم لسبب من الأسباب ، ثم إن هؤلاء الشعراء مثلوا تمرداً وخروجاً عن المجتمع ، ولم يقيموا كبير وزن لقبائلهم ، ومن ثمة فإن هذه القبائل لفظتهم ولم تحفل بأشعارهم ، ومن هنا ضعفت وسائل الإتصال بين الصعاليك وقبائلهم ، مما جعل المنتوج الشعري يضيع في أعماق الصحراء.‏

وإذا لاحظ القارئ أننا لم نقف عند مادة الصعلكة من حيث اللغة والإصطلاح ، فذلك مرده إلى الدراسات المستفيضة التي تناولت هذا الجانب(1) ، لاسيما أنها تتبعت تطور هذه اللفظة لغوياً ، ومع ذلك لا ضير من أن نشير إلى أن الصعلكة تعني في معناها العام الفقر وما له من علاقة بالعوز والحرمان في ظل حياة قاسية يتعذر فيها سبيل الرزق ، فضلاً عن الدلالة الإجتماعية التي لها علاقة بالوضع الإجتماعي الذي يحياه الفرد في ظل مجتمعه ، ومن ثمة قد تفرض على هذا الفرد أن يسلك أسلوباً معيناً في حياته الخاصة كرد فعل لما لحقه من ضيم أو رغبة منه في تغيير وضع ما ، أو بلوغ غاياته المادية والمعنوية.‏

وأياً كان الأمر، فإن هذه الظاهرة تدل ـ بصورة جلية ـ على التناقضات التي تبلورت وتفشت في المجتمع القبلي الجاهلي الذي بلغ شأواً بعيداً في الفوارق الطبقية الفاحشة بين الغنى والفقر، وهكذا راح هؤلاء الشعراء الفرسان من الشبان بخاصة ممّن لهم تبتسم لم سبل الرزق يمثلون جانبين ، فمنهم من مثّل الفروسية بأدق معانيها من حيث التحلي بالقيم الإنسانية النبيلة ، ومن ثم حافظ على قيم الشهامة والمروءة وإغاثة الملهوف ، ومساعدة الفقير والضعيف عامة ، بغض النظر عن الوسيلة المتبعة في تطبيق ذلك ، ومنهم من سلك سبيل النهب والسلب والتمسك بمبدأ القوة لنيل بغيته في ظل طبيعة جغرافية تحتم التشبث بذلك المبدأ.‏

وعلى الرغم من إختلاف الدوافع إلى إمتهان الصعلكة وتعددها ، فإن أهم العوامل المساعدة على تفشّيها هو الوضع الإجتماعي والإقتصادي الذي يحياه الإنسان الجاهلي بعامة في مجتمعه القبلي الذي لا يخلو من قيم جائرة ، وتعسف لافت للنظر في بناء العلاقات الإجتماعية التي تميز تمييزاً واضحاً بين أبناء القبيلة الواحدة ، فإما أن يرضى هذا الفرد بما يفرض عليه من ذلِّ وحرمان وجوع أحياناً ، وإما أن يثور على ذلك الواقع الصعب ، ويرفض تلك القيم ، وبذلك فقد اختار هؤلاء الصعاليك الذين أبوا الإستسلام لقانون القبيلة العام سبيلهم الذي يمثّل خلايا ثورية ، جعلتهم يتمركزون في قواعد ويرسمون خططاً لتحقيق رغباتهم وأهدافهم معتمدين على مبدأ القوة والسلب والنهب.(2)‏

ولئن ارتبطت ظاهرة الصعلكة بالفقر المدقع ، فقد ارتبطت أيضاً بقطاع الطرق الذين انتشروا ـ في العصر الجاهلي ـ في مختلف أرجاء الصحراء العربية ، ينهبون ويسلبون كل ما يجدونه في سبيلهم ، ومن هنا أصبحت لفظة الصعلوك تدل على الفتوة والشجاعة الخارقة التي تجعل هذا الفتى يعتمد أسلوب النهب في ضوء ما يمتلكه من قوة وسرعة في العدو حين يضطر للفرار أحياناً ، فهو يعتمد الهروب أسلوباً في حياته عندما لا يجد مسوغاً للمواجهة ، فهو من هذا القبيل لصٌّ له قواعد في اللصوصية ، اعتمدها فأصبحت من صفاته دون غيره.‏

فهل لنا ـ في ضوء ما سبق ـ أن نتقبَّل مفهوم الصعلكة والصعاليك على أنهم مجموعات من قطّاع الطرق انتشروا في أنحاء الجزيرة العربية ، فراحوا يُغيِرُون ويغنمُون ، ويأوون إلى الشعاب والأودية والكهوف والجبال ، فيتحيّنون الفرصة فلا تفلت منهم شاردة ولا واردة إلا أصابوها ، وينقضُّون ـ في شجاعة وحماسة نادرتين ـ على ضحاياهم فينهبون ويسلبون ويقتلون ، فيصيبون بذلك رغد العيش وطيبه إن غنموا ، ويتعرضون للجوع والحرمان إن لم يجدوا ما يغيرون عليه(3).

إنَّ الصعلكة ظاهرة إجتماعية إنسانية لها أسبابها ومسبباتها ، ولكن ما يلفت الإنتباه حقاً ، هو أن هؤلاء الشعراء الصعاليك الذين جمعوا بين السيف والقلم ، جمعوا أيضاً بين التشرّد في القفار والفيافي ، وعبّروا عن ذلك التشرد بطرق فنية وصور شعرية تنم عن قدرة فنية ، ورؤية إجتماعية نقدية ، قد لا نجد مثيلاً لها في شعر كثير من الشعراء الفرسان الذين عاصروا هؤلاء الصعاليك ، ولعل ذلك ما يجعلنا نتروى في التعامل مع تلك الظاهرة الجديرة بالتمعن والروية.‏

وقد ننظر إلى الصعاليك على أنهم خارجون عن قيم قبائلهم ، إلا أن ما نراه هو أن القيم نسبية من حيث النظرة الخارجية إليها ـ كما سبقت الإشارة ـ ومن ثم فقد تختلف وجهات النظر حولها ، فالإنسان العادي قد يتحول إلى صعلوك حيث يثور على تلك القيم ، وذلك حين يتخذ موقفاً من قبيلته لسبب من الأسباب ، فتطرده أو تهدر دمه نتيجة خروجه عن طاعتها ، فيقابلها بالمثل ، ويعلن خروجه الصريح عن قانونها ، ويكفر بكل قيمها ، مما يضطره لأن يحمل زاده ويهجر قومه تائهاً مشرداً في مناحي الحياة الغامضة ، وقد يجد من هم في مثل حاله ، فيتم التآلف بينه وبينهم ويؤلفون عصابة تحترف الصعلكة ، وينهجون نهجاً جديداً لسد الحاجة أو للثأر من الأغنياء ، كما سنفصل ذلك فيما بعد.‏

ويمكن النظر إلى الصعلكة على أن الصعلوك هو إنسان ضاق ذرعاً بالحياة ، وبالتقاليد القبلية التي دأبت دوماً على كبح جماحه ، وحالت دون طموحاته ، وبذلك جهدت الفروسية الفردية المتمثلة في هذا الفارس على أن تثور على الفروسية القبلية(4).‏

فالفروسية الجماعية مثلت قيماً داخل المفهوم العام للقبيلة ، وبما أنها هي في بعض جوانبها مظهر من مظاهر الفتوة والسيادة ، فإن هذا الفارس الذي يحمل ـ هو الآخر ـ قيماً فردية يراها حقاً شرعياً لا دخل للقبيلة فيه ، اصطدم بتلك الحواجز التي تحول دون تحقيق نزعاته وطموحاته ، فثار ـ من هنا ـ على تلك القيم الجماعية التي تمثل إطاراً مغلقاً يمنعه من التنفس بحرية ، ليُنشئ في ضوء هذا المبرر قيماً جديدة تناهضها القبيلة ، وتعمل على إزالتها باعتبارها خروجاً عن المألوف ، في حين يراها الفرد وسيلة لإثبات الذات ، وإعلان وجوده المطلق للطرف الآخر.‏

وفضلاً عما سبق ، فإن هناك ظاهرة إجتماعية تفشت في المجتمع القبلي ، كان لها الأثر الفاعل في نشوء الصعلكة وبلورتها ، ونعني بها التمييز الطبقي الذي خضع لقوانين ذلك المجتمع ، فقد علل الدارسون الذين عنوا بالصعاليك وشعرهم نشوء تلك الظاهرة بأنها تمثل إحتجاجاً صارخاً على التمييز الطبقي ، وسوء توزيع الثروات ، كما عللوها ـ فضلاً عن ذلك ـ بكونها تسعى إلى مساعدة الفقراء المستضعفين ، وتتوعد المترفين الذين كوّنوا ثرواتهم الطائلة ، بطرق ملتوية ، حتى إن بعض هؤلاء الدارسين يجعلونها أقرب إلى الإشتراكية الحديثة.(5)‏

((وكانت النتيجة الطبيعية لهذا كله أن فرّ هؤلاء الصعاليك من مجتمعهم النظامي ليقيموا لأنفسهم بأنفسهم مجتمعاً فوضوياً ، شريعته القوة ، ووسيلته الغزو والإغارة ، وهدفه السلب والنهب ، ووجدوا في الصحراء الفسيحة الواسعة التي لا تقيدها قيود ، ولا تحدّ من حريتها حدود ، ولا يستطيع قانون أن يخترق نظامها ليفرض سلطانه عليها ، مجالاً لا حدود له يمارسون فيه نشاطهم الإرهابي ، ويقيمون دولتهم الفوضوية ، دولة الصعاليك ، حيث يحيون حياة حرة متمردة ، تسودها العدالة الإجتماعية وتتكافأ فيها فرص العيش أمام الجميع))(6).

ونخلص إلى أن الشعراء الصعاليك لا يمثلون ظاهرة إجتماعية شاذة في مجتمعهم القبلي ، لأن القبيلة ـ في حد ذاتها ـ وفي صراعها مع الحياة قد تلجأ إلى ما يلجأ إليه هؤلاء الصعاليك أنفسهم ، كأن يغزوا وينهبوا ويسلبوا لنفس الغايات والأهداف ، وبنفس الوسائل التي يصبو إليها الصعاليك ويتذرعون بوسائل مماثلة ، فالإختلاف قد ينحصر في أن عمل القبيلة هو عمل جماعي منظم ، في حين أن عمل فرد أو مجموعة من الأفراد لا يعتمد نظاماً معيناً ، وبذلك لا يبدو هناك تناقض في طريقة الصعلكة ، فالقبيلة هي التي اختلقت في نفوس أبنائها من الصعاليك هذه الظاهرة ، لأنها ـ في الواقع ـ مرتبطة إرتباطاً شديداً بالصراع من أجل البقاء ، ولكن تنامي الإحساس بالعصبية القبلية يأخذ في التناقص لدى الصعاليك ، وهذا ما يشير إليه أحد الدارسين قائلاً : (الظاهرة المهمة التي تلفت النظر في حياة الصعاليك العرب الإجتماعية هي فقد الإحساس بالعصبية القبلية التي كانت قوام المجتمع الجاهلي وتطورها في نفوسهم إلى (عصبية مذهبية) وهي ظاهرة من السهل تعليلها بعدما فهمنا الظروف الإجتماعية التي وُجد فيها هؤلاء الصعاليك ، فأمَّا الخُلْعاء والشذاذ فقد تخلّت عنهم قبائلهم ، وسحبت منهم الجنسية القبلية ، فكان من الطبيعي أن يفقدوا إيمانهم بكل معاني القبيلة ، وأن يكفروا بتلك العصبية القبلية التي لم تعد لها قيمة في حياتهم))(7).‏

وهكذا فبعد خروج الصعلوك عن أعراف القبيلة يتلاشى ذلك الإحساس بالإنتماء القبلي الذي يمثل شرفاً عظيماً ، لاسيما إذا كان هذا الإحساس نابعاً من قبيلة عريقة ولها مكانة الذروة بين القبائل الأخرى من حيث علوّ الهمة وشجاعة فرسانها وعظمة أيامها ، فبعد تنكر القبيلة لفارسها وخلعه ، يعلن هذا الفارس ـ هو الآخر ـ تنكره لها.(Cool

ويمثل الصعاليك على مستوى السلم الإجتماعي الجاهلي ثلاث طبقات إجتماعية :

أ ـ طبقة الصرحاء : وهم أبناء القبيلة ممن يتمتعون بنقاء الدم الذي لا تشوبه شائبة ، أي أن هؤلاء هم الأبناء المنحدرون من أم حرة ، وأب سيد ، وفي مثل هذه الطبقة تكمن الطبقة القبلية الأصيلة.‏

ب ـ طبقة العبيد : وتتألف من عنصرين : العنصر العربي ، ويمثلهم الأسرى الذين يقعون في قبضة قبيلة أخرى خلال الحروب التي تخوضها القبائل العربية فيما بينها ، أما العنصر الثاني : فهم الذين كانوا يجلبون من البلدان المجاورة للجزيرة العربية.‏

ج ـ ثم تأتي طبقة الموالي : وتتألف هذه الطبقة من بعض العرب الأحرار الذين لجؤوا بتأثير ظرف من الظروف إلى قبيلة أخرى طالبين النجدة من ضيم لحقه ، أو ظلم أصابهم ، وكانوا يسمّون الخلعاء ، ثم العبيد الذين أعتقهم سادتهم ولكنهم ظلوا موالين لهؤلاء السادة(9).‏

وفي ضوء هذا المفهوم يمكن تقسيم الصعاليك إلى فئتين:‏

أما الفئة الأولى :‏

فهي الفئة التي أحسّت بمظالم إجتماعية جائرة ، فضلاً عن المظالم الإقتصادية القسرية ، بحيث لم تكن هناك مساواة بين الأفراد والجماعات التي تشملها القبيلة من حيث الشروط الإجتماعية الكفيلة بتأمين حياة حرة كريمة ، بالإضافة إلى عدم وجود مساواة إقتصادية تتكافأ فيها الفرص بحياة رغدة للجميع.‏

ففي ضوء ذلك الواقع صبَّت تلك الفئة جم غضبها على الأثرياء ، وجرّدت السيف للدفاع عن نفسها ، والثأر ممن تسببوا في تشريدها وحرمانها ، وتتألف هذه الفئة ـ عادة ـ من جماعات الخلعاء والشذاذ والأغربة الذين تنكرت لهم قبائلهم وتخلّت عنهم ، فكونوا على أثر ذلك مجتمعاً فردياً فوضوياً ، عوضاً عن مجتمعهم القبلي(10).

أما الفئة الثانية ، فقد نشأت ـ هي الأخرى ـ بسبب التفاوت الطبقي إجتماعياً وإقتصادياً ، فراحت تغزو وتسلب ، ولكن ليس بهدف الغزوّ في حد ذاته بل لتتخذ من ذلك وسيلة لتقديم ما تغنمه للفقراء والمعوزين وضعفاء الحال ، وكأنها بهذا العمل تسعى لتصحيح الأوضاع ، وإعادة توزيع الثروات على أسس إجتماعية عادلة(11)، وهناك العديد من الصعاليك الذين كانت نهايتهم على أيدي قبائله ، كما أنَّ هناك الكثير ممن ثأروا لأنفسهم من أبناء قومهم.‏

وإذا كان الخلع يتم على أثر جرم يرتكبه المخلوع ـ في الغالب ـ فقد يجد ذلك الرَّجل نفسه وجهاً لوجه أمام مصير مجهول ، وحياة مفعمة بالمفاجآت والنكبات ، مما يضطره لأن يلجأ إلى قبيلة تأويه وتحميه ممّن يلاحقونه ، وهذا قريب مما يسمى ـ في عالمنا المعاصر ـ باللُّجوء السياسي ، وقد يخضع هذا اللاجئ لشروط قد تكبله وتحدّ من حريته وتحركاته ، في حين من تأبى نفسه الخضوع لقوانين القبيلة من جديد ، يرتمي في أعماق الصحراء ، ويجعل من سيفه وسيلته المثلى في اللذود عن نفسه ، ومواجهة الموت الذي يهدّد حياته في كل لحظة ، وفي كل خطوة يقبل عليها ، ومن ثم قد يجد من هم على شاكلته ، فلا يتردد في الإنضمام إليهم والإشتراك معهم في تكوين خلايا من الصعاليك.‏


(1) يوسف خليف ، الشعراء الصعاليك ، ص / 153.‏

(2) إبراهيم شحادة الخواجة ، عروة بن الورد ، حياته وشعره ، ص 17.‏

(3) سيد إسماعيل شلبي ، الأصول الفنية للشعر الجاهلي ، ص / 392.‏

(4) إبراهيم شحادة ، عروة بن الورد ، حياته وشعره ، ص /18.‏

(5) نوري حمادي القيسي ، الفروسية في الشعر الجاهلي ، ص / 312.‏

(6) يوسف خليف ، الشعراء الصعاليك ، ص /53.‏

(7) المرجع السابق ، ص /115.‏

(Cool سعيد اسماعيل شلبي ، الأصول الفنية للشعر الجاهلي ، ص / 393.‏

(9) يوسف خليف ، الشعراء الصعاليك ، ص103.‏

(10) إبراهيم شحادة الخوجة ، عروة بن الورد ، حياته وشعره ، ص / 14.‏

(11) المرجع السابق نفسه ، ص / 14.‏


من كتاب جدلية القيم في الشعر الجاهلي رؤية نقدية معاصرة - د.بوجمعة بوبعيو -الفصل الخامس-
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هكذا كتبوا عن الصعاليك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هكذا علمتني الحياة
» هكذا كان مزاح رسولنا
»  هكذا علمتني الغربة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديـــات المدرســــــة العليـــــا للأساتــــــذة بوزريعــــــة :: 
منتدى الأدب ensb
 :: القسم العام للغة العربية
-
انتقل الى: