**مناورة خالد
كانت أعداد كبيرة من الفرس الساسانيين قد فرت من المعارك السابقة، وعادت إلى حمل السلاح مرة أخرى. انضم الناجون من معركة ذات السلاسل إلى قارن بن قاريونس وقاتلوا في معركة نهر الدم، ثم انضم الناجون من معركة نهر الدم إلى أندرزاغار واتجهوا نحو الولجة. واجه المسلمون الجيشان باستراتيجية واحدة وتكتيك واحد:
-الاستراتيجية: كان جيشان من الفرس على وشك أن يجمعا للاعتراض للمسلمين. لحل هذه المشكلة، عزم خالد بن الوليد على الهجوم بسرعة، والقضاء على الجيش الأول (جيش اندرزاغار) ثم الجيش الثاني (جيش باهمان) قبل وصوله إلى مكان المعركة.
-التكتيك: منع مقاتلي العدو من الهرب من خضم معركة وإعادة تنظيم صفوفهم والعودة لمواصلة القتال. لذلك، قرر خالد إحاطة الجيش الفارسي، والانقضاض عليه من الخلف، وتدمير جيشهم في هذا الوقت، في صورة معدّلة من تكتيك الكماشة.
أعطى خالد توجيهاته إلى سويد بن مقرن لمراقبة وحراسة المعابر التي قد يعبر منها الفرس ويهاجموا من الشمال والشرق، وتنبيهه في حالة وجود قوات جديدة للعدو في تلك الاتجاهات.
**موقع المعركة
كانت أرض المعركة سهل شاسع ممتد بين مرتفعين يمتدان إلى حوالي ميلين وبارتفاع 30 قدمًا. شمال شرقي السهل يتداخل مع صحراء قاحلة، وعلى مقربة من الشمال الشرقي هناك فرع للفرات يسمى بـ"نهر خاسف".
**المعركة
كان اندرزاغار واثق من النصر، حتى إنه لم يزعج نفسه بالانسحاب إلى ضفة النهر، على بعد ميل واحد، ليتمكن من استخدام النهر لحماية جيشه.
في ايار/مايو 633، نشر الجيشان قواتهما لخوض المعركة، ولكل منهما قلب وأجنحة. أجنحة المسلمين كانت بقيادة عاصم بن عمرو وعدي بن حاتم. انتشر الجيش الفارسي في وسط السهل، وكان مواجهًا للشرق وللجنوب الشرقي، وفي الجنوب الغربي كانت وراءه التلال. شكل خالد جيشه أمام تلال الشمال الشرقي، في مقابل الجيش الفارسي. ساحة المعركة، كانت تبعد حوالي ميلين إلى الجنوب الشرقي من عين الموهاري، وعلى بعد 35 ميلاً إلى الجنوب الشرقي تقع النجف و 6 أميال إلى الجنوب الشرقي تقع خش الصنافية. تألفت معظم قوات المسلمين من المشاة، مع عدد قليل من الفرسان.
توقع الفرس أن يكون جيش خالد أكبر بكثير. في الليلة التي سبقت معركة الولجة أرسل خالد اثنين من ضباطه بشر بن أبي رحم وسعيد بن مارا وجعل كل منهما قائدًا على قوة من نحو 2,000 فارس، وأمرهم على النحو التالي:
-سوف يأخذ كل منهما فرسانه خلال الليل ويتحرك بسرعة في الجنوب من مخيم الفرس.
-عند الوصول إلى الجانب الآخر من سلسلة التلال التي تمتد وراء مخيم الفرس، سيخفيان الرجال ولكن يحتفظان بهم على أهبة الاستعداد للتحرك خلال فترة قصيرة.
-عند الصباح ستبدأ المعركة، وسيبقون رجالهم وراء التلال، وسيضعون عددًا من المراقبين لانتظار إشارة خالد.
-عندما يعطي خالد إشارته، سيهاجمان القوات الفارسية من المؤخرة، وكل مجموعة ستهاجم جناحًا.
صدرت الأوامر اللازمة من خالد لمن كان يجب أن يعرف هذه الخطة، حتى يتسنى لهم تنظيم وتحضير قوات الضربة دون حدوث أي توقف وبسرية تامة، لدا لم يتم إعلام المقاتلين المسلمين العاديين شيءًا من مناورة تكتيك الكماشة. شكل خالد جيشه بالـ 10,000 المتبقية قبالة الجيش الفارسي الساساني. اعتمدت استراتيجية اندرزاغار قائد الفرس، على الدفاع وترك المسلمين يهاجمون أولاً، ثم بعد أن يمتص هجمتهم، يشرع في هجوم مضاد لهزيمة جيش المسلمين. تمت المرحلة الأولى من المعركة وفق خطة اندرزاغار، حيث أمر خالد الجيش بشن هجوم عام. أبقى قائد الفرس قواتًا احتياطية ليشركها في الوقت المناسب بعد أن يكون قد بلغ بالمسلمين التعب مبلغه، الأمر الذي يتيح له التحكم في المعركة. خلال هذا الوقت، بارز خالد بن الوليد بطل فارسي عملاق يطلق عليه هزار مارد وقتله، فكان هذا نصرًا نفسيًا للمسلمين.
انتهت المرحلة الأولى، وبدأت المرحلة الثانية من المعركة بهجوم مضاد لجيش الفرس. بعد أن شاهد اندرزاغار علامات التعب على الجنود المسلمين، لذا قرر أن هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم المضاد لجيش الفرس، فهاجم سلاح الفرسان الفارسي مقدمة جيش المسلمين.
تمكن المسلمون من احتجازهم لبعض الوقت، لكن الفرس زادوا الضغط. فتراجع جيش المسلمين، وتوقف الهجوم حتى إصدار تعليمات أخرى من خالد بن الوليد. أعطى خالد في النهاية الإشارة للمضي قُدمًا. عندئذ، هاجمت فرقتي فرسان المسلمين مؤخرة الجيش الفارسي وجناحيه. ومع مرور الوقت لاحت بوادر الهزيمة على جيش الفرس، فاستأنف مشاة جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد الهجوم على الجبهة الفارسية، واتصلا بفرقتي الفرسان لإحاطة الفرس تمامًا.
انضغط الجيش الفارسي في مساحة قليلة، فعجزوا عن استخدام أسلحتهم بحرية أو تجنب ضربات المهاجمين. فانتهت المعركة، بخسائر فادحة للجيش الفارسي، ولم تتمكن سوى بضعة آلاف من الجنود من الفرار، وفر اندرزاغار نفسه، لكنه فر في اتجاه الصحراء العربية بدلا من الفرات وتوفي في تلك المنطقة عطشًا.
**ما بعد المعركة
بعد المعركة جمع خالد رجاله المجهدين بعد انتصارهم الساحق على الفرس[5]. كانت معركة الولجة أطول[6] وأشرس المعارك التي خاضها المسلمون في العراق، لذلك سعى خالد بن الوليد إلى ضمان أن تبقى معنويات المسلمين مرتفعة.
بعد القضاء على جيش فارسي آخر وحلفاءه العربي المسيحيين في معركة أليس ومعركة الحيرة، عاصمة بلاد الرافدين في أواخر أيار/مايو 633 م، وتلا ذلك معركة الأنبار والنجاح في حصار عين التمر. مع سقوط المدن الرئيسية كلها في جنوب ووسط العراق، باستثناء قطسيفون، أصبح العراق تحت سيطرة المسلمين. في عام 634 م، أمر أبو بكر خالد بن الوليد بالتوجه مددًا لجيوش المسلمين في الشام بنصف جيشه، وترك نصف الآخر تحت قيادة المثنى بن حارثة الشيباني.
شكل الفرس في ظل الامبراطور الجديد يزدجرد الثالث جيشًا جديدًا وهزموا المسلمين في معركة الجسر، وأعادوا ضم العراق. كان الفتح الإسلامي الثاني للعراق تحت قيادة سعد بن أبي وقاص الذي هزم الجيش الفارسي في معركة القادسية في عام 636 م، وفتح قطسيفون. وتبع ذلك كله فتح[7] الإمبراطورية الفارسية كلها.