تعتبر مرحلة المراهقة فترة حرجة، باعتبارها مرحلة انتقالية بين الطفولة المتأخرة والنضج، إذ يعمل فيها المراهق على التخلص من الاعتماد على الكبار، من خلال البحث عن الاستقلال الذاتي والحرية التي يتمتع بها الراشد. كما أن مرحلة المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، تبعاً لاختلاف البيئة الجغرافية، والأنماط البيئية التي يعيش في وسطها المراهق، ففي المجتمع الريفي تختلف عنها في مجتمع المدينة، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيراً من القيود على نشاط المراهق، عنها في المجتمع المنفتح الذي يتيح للمراهق فرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة .
ويؤكد أرون (Aron) بأن مرحلة المراهقة مهمة في حياة الإنسان رغم اختلافها من فرد إلى آخر. ويرى بأن الطفل الذي لديه أصدقاء، ويحب اللعب، والذهاب إلى المدرسة سيكون مهيّئاً بصورة أفضل لخوض إشكالات هذه المرحلة. إن حدوث التغيرات الجسمية الطارئة واكتشاف الحياة الجنسية واكتساب رؤى جديدة حول العالم، سيؤدي ذلك إلى تعرض المراهق للكثير من الاضطرابات التي قد تدفعه للتعبير عنها بطرق وأساليب مختلفة تتراوح بين الشدة واللين.
إن مرحلة المراهقة تبدأ بشكل بيولوجي "عضوي" وهو البلوغ وتكون في نهايتها ظاهرة اجتماعية، وبهذا المعنى فإن المراهقة عملية بيولوجية نفسية اجتماعية تسير وفق امتداد زمني متأثرة بعوامل النمو البيولوجي والفسيولوجي، وبالمؤثرات الاجتماعية والحضارية والجغرافية، فهي مرحلة مرتبطة بتغيرات فسيولوجية في الجسم، ومنها تغير الأعضاء الجنسية.
تتعدد المشكلات التي يعاني منها المراهق في مرحلة المراهقة، والتي يمكن ربطها بالتغيرات الجسمية الفجائية التي تسبق فترة البلوغ والنضج نتيجة لنشاط الغدد الصماء، والتي يعيها المراهق ولكنه لا يستطيع التصرف تجاهها (ماذا يفعل تجاه طوله ووزنه اللذين تعتريهما الزيادة غير المستقرة نسبياً؟ وتجاه ملابسه التي قصرت وضاقت عليه؟ وما الذي طرأ على صوته، أو ظهور الشعر، وحجم الثديين والأذنين ....الخ )، مما يكون له أثر كبير في زيادة الخجل عند المراهق. ويختلف المراهقون في مدى حساسيتهم، فالخجل الزائد والانطواء على الذات يعملان على زيادة الشعور بالفشل خصوصاً إذا ما واجهتهم بعض الصعوبات في بداية حياتهم العملية .
إن الشعور بالخجل يصاحبه بعض الأعراض الجسمية كنزول العرق، واحمرار الوجه، وتوتر العضلات، وزيادة ضربات القلب، وجفاف الفم أو ارتعاش الصوت. هذه الأعراض قد تكون مصدر زيادة للقلق والتوتر وتؤدي إلى حدوث مواقف محرجة للشخص. وتظهر مشكلة الخجل بشكل أكبر في فترة المراهقة مع احتمال ظهورها قبل أو بعد هذا السن. وقد أكد العديد من المتخصصين في الأمراض النفسية بوجود الكثير من الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة، ولكنهم لا يطلبون المساعدة إلا عندما تصل الحالة لدرجة قد تتسبب ببعض المشكلات الكثيرة والأزمات في الحياة.
إن أهم ما يتحكم في مرحلة المراهقة هو الروابط والتفاعلات بين البلوغ وشكل الجسم (Body Image) أو صورته، أو يمكن أن نطلق عليه صورة الذات (Self Image). وصورة الجسم هي الصورة العقلية (Mental Image) التي يكونها الفرد عن جسمه، ويستحضرها في الذهن سواءً كان عن طريق تكوين صورة حقيقية سابقة، أو صورة تخيلية (Imaginary). والصورة الذهنية للجسم تتحول إلى تخيلات أكثر إبداعاً لدى المراهق، ولا تعني مجرد إسترجاع صور ومدركات، وإنما تفكيك الصور القديمة للجسم وإبداع صور وأفكار جديدة، وقد تتحول الصورة الذهنية للجسم لدى المراهق إلى صورة خيالية بعيدة عن الواقع (كما في أحلام اليقظة)، بحيث يفقد المراهق القدرة على التمييز بين واقع التغيرات التي طرأت على الجسم وبين تصوراته عن هذه التغيرات مما قد يحول واقع الصورة الجسمية إلى صورة خيالية تشبه ما يحدث في حالة الهذاء..
يسيطر على المراهق في هذه المرحلة وسواس الجاذبية، فمقياس الهوية لديه هو مدى الجاذبية، ومدى الجاذبية يحدده الشكل أولاً وأخيراً وبمقاييس ومواصفات ذلك المجتمع ومن خلال معتقدات أفراده وبث وسائل إعلامه وتمجيدها لأنماط معينة من الوسامة، كل هذا يلتقطه المراهقون ويجسدونه كنموذج يجب عليهم تقليده .
يكاد الاهتمام بصورة الجسم لدى المراهقين أن يأخذ شكلاً مرضياً حيث يتنامى الاهتمام بالنحافة وفقدان الوزن والتوصل إلى مقاييس جسمية معينة وبذل جهود محمومة للحفاظ عليها. وتشير الأبحاث التي تناولت تفضيل حجم وشكل الجسم لدى المراهقين إلى أن الذكور يفضلون الشكل العضلي والذي يتميز بعرض المنكبين، وارتفاع الصدر، واستدقاق الوسط أو منطقة الخصر وفي المقابل تطمح الإناث إلى تحقيق صورة جسمية تركز على النحافة تحت مسمى الرشاقة. وإذا لم يحقق المراهق الصورة الجسمية المرغوبة فإنها تتسبب بالعديد من السمات الانفعالية، والاجتماعية مثل الانطواء والخجل وعدم الثقة بالنفس التي تكون مصاحبة لمرحلة المراهقة.
إن عدم الرضا عن صورة الجسم وما يصاحبه من شعور بالاكتئاب والخجل، وتدني تقدير الذات في ارتفاع لدى الجنسين، ففي استطلاع للرأي قامت به مجلة علم نفس اليوم Psychology Today عام (1972) أظهر بأن (23%) من النساء و(15%) من الرجال أبدوا عدم الرضا عن مظهرهم العام، و(48%) من النساء و(35%) من الرجال أشاروا إلى عدم الرضا عن أوزانهم. وفي استطلاع مشابه قامت به المجلة في عام (1985) ارتفعت نسبة النساء اللواتي لم يرضين عن صورة أجسامهن إلى (38%) بينما وصلت النسبة لدى الرجال إلى (34%). أما عدم الرضا عن الوزن فقد ارتفع عند النساء إلى (55%) والرجال إلى(41%)، أما بالنسبة للنساء فإن أماكن معينة في الجسم أدت إلى عدم الرضا وهي وسط الجذع (الخصر والمعدة، وأسفل الجذع، الوركين، والعجز، والفخذ، والساقين). وفي استطلاع للمجلة عام (1997) أظهرت النتائج أن (56%) من النساء غير راضيات عن مظهرهن العام و(66%) عن الوزن، والغالبية العظمى من النساء وصلت إلى (89%) أردن إنقاص أوزانهن، وبالنسبة للرجال فإن (43%) كانوا غير راضين عن مظهرهم العام و (52%) غير راضين عن أوزانهم .
إن خجل المراهق وعدم رضاه عن وزنه وصورة جسمه وعدم قدرته على البوح بمشكلته، يدفعه للجوء إلى الآخرين، وخاصة من أقرانه المراهقين، لعرض المشكلات التي يواجهها طلباً للنصائح أو الحلول، وفي جوانب كثيرة منها يتم تبادل معلومات خاطئة ونصائح خطرة، وأبسطها تبادل المراهقين لخبراتهم في التعامل مع تبعات الأكل المفرط واستخدام وسائل للتخلص من الوزن الزائد للوصول إلى شكل مثالي وجذاب للجسم.