استعجلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح بنشر قوة عسكرية إقليمية في شمال مالي، بغرض التصدي للجماعات المسلحة هناك، وطردها من المناطق التي سيطرت عليها منذ مطلع أفريل المنصرم.
وعبّر قادة مجموعة غرب أفريقيا في اجتماع احتضنته ياماسوكرو، ثاني كبرى مدن كوت ديفوار، عن أملهم في وصول المجتمع الدولي إلى اتفاق حول حل عسكري للأزمة المالية، يقضي على ما سموها المجموعات الإرهابية التي تسعى إلى إقامة مركز في شمال مالي ينسق بين "الشبكات الإرهابية" في إفريقيا .
وكانت فرنسا قد سعت في وقت سابق لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، يجيز التدخل العسكري في مالي، غير أن المجموعة الدولية رفضت المقترح، وفضلت الإبقاء على المجال مفتوحا أمام تسوية سلمية للأزمة، وهو ما حال دون تمكن المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا إرسال قوة عسكرية إلى إقليم الأزواد، علما أن كلا من نيجيريا والسنغال والنيجر، كانت قد جهزت قوة عسكرية قوامها 3270 رجل، "لتعزيز المؤسسات الانتقالية في باماكو والتنسيق مع الجيش المالي لاستعادة السيطرة على شمال مالي".
ويتطلب التدخل العسكري في المناطق الشمالية لمالي، توافقا أمريكيا فرنسا، وهو العامل الذي يبقى غائبا لحد الساعة، إذ وفي الوقت الذي تدفع الدبلوماسية الفرنسية "النافذة جدا" في دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل ـ بحكم الاعتبارات التاريخية المعروفة ـ بكل ما أوتيت من قوة للحل العسكري، لا تزال الولايات المتحدة مترددة في اتخاذ قرار من هذا القبيل.
ومن شأن غياب التوافق الأمريكي ـ الفرنسي، أن يحول دون ضمان التغطية اللوجيستية، التي لا مفر منها، لأية عملية عسكرية في شمال مالي، لأن واشنطن ترى في الحسم العسكري "قرارا من الصعب تجسيده"، بحسب ما صدر على لسان مساعد كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية، المكلف المسائل الإفريقية، جوني كارسون، الذي دعا ليلة الجمعة إلى السبت، إلى "التأني"، داعيا في جلسة استماع في الكونغرس، إلى تسوية سياسية للقضية، وقال: "لا حل دائم للمشاكل في شمال مالي دون محاور شرعي في باماكو".
ويبدو الموقف الأمريكي أقرب إلى الحل الذي تطرحه الجزائر، وهو تغليب خيار الحوار والمفاوضات مع "الحركات المستعدة للتحاور"، على الحل العسكري، مع التسليم بشرعية مطالب المتمردين، لكن بعيدا عن الطريقة التي تم بها التعبير بها عن هذه المطالب.
الدبلوماسي عبد العزيز رحابي لـ "الشروق":"التدخل العسكري مخيف لأن شمال مالي هو جنوب الجزائر"وصف الدبلوماسي والوزير السابق، عبد العزيز رحابي، خيار التدخل العسكري في شمال مالي بـ"المغامرة العسكرية، لأن شمال مالي هو جنوب الجزائر"، وحذر من تداعياته الخطيرة على استقرار منطقة الساحل والدول القريبة منها.
وقال رحابي في اتصال مع الشروق: "الحل العسكري يعني أيضا فتح جبهة جديدة على حدودنا الجنوبية، بعد ما عشنا على وقع اضطرابات ليبيا وتونس في وقت سابق"، وتابع: "الحل العسكري في مالي مخيف بالنسبة للجزائر، لأنه خيار دول عظمى بعيدة عن المنطقة"، مشيرا إلى أن أي عملية عسكرية في إقليم الأزواد من شأنها أن تدفع بعشرات الآلاف من اللاجئين إلى حدودنا الجنوبية، والمزيد من تدفق الأسلحة.
وعن تحمس قادة دول غرب إفريقيا للحل العسكري، قال وزير الاتصال الأسبق: "السلطة في هذه الدول ممركزة وهي لا تعير أي اهتمام للخصوصيات العرقية والإقليمية، بل وتعتبر هذه الخصوصيات خطرا على السلطة فيها، لذلك نجدها تعمل من أجل إفشال مطالب سكان شمال مالي، حتى لا تصل المطالب ذاتها إلى بلدانهم".
وأوضح سفير الجزائر السابق في إسبانيا: "الجزائر أقحمت في صراع عالمي لا ناقة لها فيه ولا جمل. المشكل في منطقة الساحل هو الإرهاب الدولي، والجزائر تملك تجربة ناجحة في محاربة الظاهرة، ولها إمكانات"، وأضاف: "الولايات المتحدة تبحث عن دور مميز للجزائر في المنطقة، وفرنسا تخاف من تضعضع سلطة أنظمة حليفة لها في المنطقة".