ما كان أصله فصيحاً من ألفاظ العامة !
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد
• قال أبو عمر السمرقندي - عامله الله بلطفه الخفي - :
في هذا الفِقرة محاولة متواضعة من كاتبها لإعادة ألفاظ عربية إلى أصولها ؛ مما قد شاع بين العامة من ألفاظ يظنها بعض الناس من أخطائهم ، والتحقيق أنَّه ليس كذلك .
وأنا هنا معتن أكثر بلهجة أهل مكة - حرسها الله - الدارجة في ذا الزمان ؛ بل قبله ، إذْ قد باتت هذه اللهجة شبه ريح ؛ حتى لا تكاد تجد من يتكلَّم بها ؛ إلاَّ القليل من بقايا ذاك العهد الذي عفا عليه الزمن ... وهي معروفة للقاصي والداني بألفاظها الفخمة القوية !
وأنا لا أدعو إلى إحيائها كفعل المستشرقين - حاشا لله - ولا أدافع عن أخطائها الشنيعة ؛ لكني أدعو إلى تهذيبها وتوجيهها .
وأقطع الاستطراد فأقول : المقصود أنَّ كلام العامة منه ما هو دخيل من لغات الأعاجم ثم عُرِّب .
ومنه ما أصله عربيٌ فصيح لكن دخله النحت أو التحريف مع الزمن .
ومنه ما هو من كلام العرب ؛ لكنه استنكر لكونه ذائعاً بينهم .
====================================
فنبدأ على بركة الله :
1- قال أبو عمر : يقول أهل مكة وبعض الأعاجم : ( رأيت كذا وكذا نفر ) من الناس ؟!
• وهذا ليس غلطاً محضاً : ففي القاموس المحيط (2/206) : (( النفر : الناس كلهم ، وما دون العشرة من الرجال )) .
• وقال الحريري في درَّة الغواص (ص/234) : (( ويقولون : هم عشرون نفراً ، وثلاثون نفراً ؛ فيوهمون فيه .
لأنَّ نفر إنما يقع على الثلاثة من الرجال إلى العشرة ؛ فيقال : هم ثلاثة نفر ، وهؤلاء عشرة نفر ، ولم يُسْمَع عن العرب استعمال النفر فيما جاوز العشرة بحال )) .
• قلت : فقول الأعاجم ومن حكى قولهم على سبيل التخطئة : ( هؤلاء ثلاثة نفر ) إلى ( عشرة ) ليس فيه غلط ؛ إنما الغلط ما جاوز العشرة .
• ويؤيد ما نقلته ويشدُّه حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند مسلم (1676) : (( لا يحل دم رجل مسلم ... إلاَّ ثلاثة نفر)) ، وحديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم (2743) : (( بينما ثلاثة نفر يتمشون )) ، وغيرهما من الأحاديث .
=====================================
2- قال أبو عمر : يقول أهل مكة ومن نحا نحوهم : فلان دَسَّ كذا وكذا ، ولا تدُسُهْ ، ومن دسَّ كذا وكذا ، وخَرِّج المدسوس .. الخ ، اشتقاقاتهم لهذه الكليمة الدالة على مصدر ( دسَّ ) أي : خبَّأ .
• قال في القاموس المحيط (2/313) : (( الدسُّ : الإخفاء ، ودفن الشيء في الشيء )) .
======================================
3- قال أبو عمر : يقول أهل مكة : لا تدعس كذا وكذا ، وفلان دعسه ، والأمر الفلاني مدعوس .. الخ اشتقاقاتهم لهذه الكليمة التي مصدرها ( دعس ) بمعنى : دهس ووطيء على كذا .
• قال في القاموس (2/313) : (( الدعس : شدة الوطء )) .
=====================================
4- قال أبو عمر : يقول أهل مكة : فلان طاح من المكان الفلاني ، وهو يطيح وطيَّحه ... الخ اشتقاقاتهم لهذه الكليمة التي أصل مصدرها ( طاح ) بمعنى : سقط .
• قال في القاموس (1/478) : (( طاح يطوح ويطيح : هلك وأشرف على الهلاك ، وذهب وسقط وتاه في الأرض )) .
======================================
5- قال أبو عمر : يقول أهل مكة : ( لا تَتبهْلَل ، أو : بلا بهْلَلَة ! ) بمعنى : بِلا سخرية أو استخفاف أومزح أو ...
• ولعل الأصل في اشتقاق الكلمة ( البهلول ) !
• قال في القاموس (3/497) : (( البُهلول : كسُرْسُور : الضحَّاك ، والسيدِّ الجامع )) .
• قال أبو عمر : والمقصود من كلامه ههنا قوله : ( الضحَّاك ) ، فهو بالضم بُهلُول ، وليس بالفتح ( بَهلول ) ؛ كما هو ذائع عند العامة .
فمن يقول لك لا تتبهلل أو بلا بهللة ؛ فلعلَّه يقصد - والعهدة عليه – أن لا تتشبَّه بفعل البهاليل من الذين يتصنَّعون حركات تضحك الناس .
نسأل الله العافية والسلامة !
======================================
6- قال أبو عمر السمرقندي : ومما هو شائع عندهم ؛ لكنه من باب النحت :
• قول أهل مكة : ( إيْشْبَك يا فلان ؟ ) ؛ يعني : ماذا بك ؟
• والأصل فيها : أيُّ شيءٍ بكَ .
• ويقولون : ( إيْشْ بُوْ ؟ ) ؛ يعني : أيُّ شيءٍ بهِ ؟
• ومن النحت أيضاً قولهم : ( علَشان كذا وكذا ) .
ويوافقهم أهل مصر ؛ لكنهم يحذفون منها اللام ؛ فيقولون : عشَان .
• قلت : الأصل فيها : على شأن كذا وكذا !
• ويقول أهل نجد : ( سَمْ ) ؛ بمعنى أبشر أو أْمُر أو تفضَّل ...
• والأصل كما سمعته من احد الأساتذة والعهدة عليه : سمعاً وطاعة !
• قال أبو عمر : والنحت باب واسع ؛ ولم أقف على من نصَّ على هذه الكليمات التي زعمتها منحوتة وأعدتها لأصلها ، وبالله التوفيق .