شروفات غوفي (باتنة) الوجهة الساحرة التي بدأت تستعيد ود السياح
باتنة - بدأت شرفات غوفي بباتنة المنتصبة بأقصى بلدية غسيرة على مشارف ولاية بسكرة المجاورة تستعيد بسحرها الخلاب ود السياح تدريجيا بعد أن افتقدتهم وغابوا عنها لسنوات.
فالموقع الذي تمتزج فيه لفحات الصحراء بهواء الجبال المنعش ويتزاوج فيه لون الرمال الذهبية مع خضرة الطبيعة في مشهد فريد من نوعه يبدو منذ فترة كخلية نحل بعد أن أصبح (مزارا) للمفتونين بجمال الطبيعة من الولاية وخارجها وحتى بعض السياح الأجانب الذين عاودهم الحنين لهذه الجنة الساحرة .
فالصخور المنحوتة بإتقان في الجبال والمنازل الطينية والقلاع الحجرية بأسقفها الخشبية المنتشرة هنا وهناك وكأنها وجدت لتحرس المكان وتباركه من الأعين توحي للزائر بأنه دخل في زمن آخر غير الذي جاء منه قبيل أن يودع آخر البنايات الحضرية باتجاه الموقع.
أما منظر الوادي الأبيض المعروف محليا ب"إغزر أملال" وهو ينساب أسفل الشرفات مانحا مع كل قطرة من مائه الحياة للواحة وبساتين المشمش والرمان والزيتون والعنب وفواكه أخرى كثيرة فيبعث الفضول في السائح للنزول إلى أسفل بحوالي 60 مترا للتمتع بعذوبة المياه الرقراقة والمتدفقة من أعالي جبال شيليا الشهيرة.
فمشهد الشرفات من أسفل يجعل الزائر يتخيل وكأن قدماه وطئتا (جنة على الأرض) وهنا يدرك سر تمسك عائلة (تافساة) التي اختارت البقاء والعيش منذ سنين خلت في هذا المكان مديرة ظهرها للحياة الحضرية و العصرنة التي يبدو وكأنها توقفت عند أسوار شرفات غوفي بطبيعتها العذراء .
فإلى جانب الأنواع ال 18 من التمور التي تشتهر بها واحات غسيرة وخاصة منها" بوزرو" الذي يتهافت عليها أبناء المنطقة ليحضروا منها الطمينة الغسيرية الأصيلة التي يقال بأنها وصلت حتى إلى كاليدونيا فإن رائحة نبات (أسفساق) القوية والزكية التي تعطر الطريق المؤدي إلى غوفي والذي يزينه في تناسق كبير نبات الدفلة بأزهاره الوردية وحبات التين الشوكي سرعان ما ترسخ في ذاكرة زائر الموقع للمرة الأولى كلوحة فنية متناسقة أبدع في وضعها الخالق.
ولا غرابة في أن المكان بكل تفاصيله الدقيقة ألهم أغلب الفنانين الأوراسيين وكان حاضرا في الكثير من أعمالهم التي تعدت شهرة بعضها حدود الوطن إلى حد أن عميد التشكيليين الأوراسيين الفقيد عبدو طمين رغم سفره الكثير وتفتحه على حضارات ومجتمعات مختلفة كان كثير التردد على واحة غوفي الوافرة الظلال وقرر الاعتكاف فيها في أواخر أيامه قبل رحيله سنة 1973 .
خيمة أوراسية وأواني ومنسوجات وحلي تقليدية لاستقبال الزوار
فالحياة دبت أخيرا بغوفي الذي يقال بأن اسمه الأصلي هو أثفلوس وهي الآهلة بالشاوية وأطلقت عليه نسبة إلى الأشكال نصف الدائرية التي تشكلها الشرفات مع الوادي الأبيض في تقاطع أطرافهم والذي نصبت بمقربة منه خيمتان تقليديتان يقدم فيهما الأكل التقليدي بمختلف أنواعه حسب الطلب المسبق للزوار.
لقد عادت الحركة إلى المنطقة يقول صاحب الخيمة الحرفي زغدود حشاني الذي بدا متحمسا وهو يشرح لبعض السياح الذين جاؤوا لزيارة غوفي في تلك الصبيحة بأن اسم هيتشلط الذي أطلقه على الخيمة التي نصبها في الجهة المقابلة لقلعة أيث منصور يعود لامرأة أمازيغية بارعة الجمال كانت تعيش بالمنطقة .
ويتابع الحرفي حديثه مع الزوار وهو يقدم بضاعته المشكلة من أواني ومنسوجات تقليدية وحلي فضية وكذا صور فوتوغرافية مأخوذة من الكتاب الشهير "المرأة الشاوية بالأوراس" للفرنسية ماتيا قودري (1929). ويضيف بأن هذه المنطقة المعروفة باسم (إيشنتورث) إلى جانب مساهمتها في بدايات الثورة التحريرية بالأوراس كانت في الأزمنة الغابرة حسب أحاديث الأولين عبارة عن بحر مشيرا وسط اهتمام كبير للزوار إلى أنواع عديدة من الحجارة (مستحاثاة) على شكل أصداف ونجوم بحر وكائنات أخرى بحرية متحجرة يبيعها كتذكار بعد أن يعمد إلى التقاطها بمنطقة الوادي الأبيض .
ويؤكد الزوبير بأن أحجار الكوارتز المعروفة ب(الجيود) تلقى إقبالا كبيرا من طرف السياح لاسيما وأنها تشير إلى دلالات جيولوجية لتاريخ المنطقة فهي عبارة عن ترسبات من المعادن كالزنك والنحاس والرصاص تحولت بفعل السنين إلى حجارة مضيئة وشديدة اللمعان وبأشكال جذابة تستعمل في الديكور.
ويبدع الحرفيون الذين استفاد بعضهم من محلات تجارية في الجهة المقابلة للشرفات على الطريق الوطني رقم 31 الرابط بين ولايتي باتنة وبسكرة في تقديم منتجاتهم المحلية الأصيلة ويؤكدون بأن بناء المحلات بهذه الجهة أعاد الحياة إلى غوفي ودفع بالحرفيات بالمنطقة الى مغازلة الصوف والمنسج من جديد حتى تكون المفارش الأوراسية الأصيلة وفي مقدمتها الزربية وحنبل الشعر وحتى القصعة و الطاجين في انتظار السائح الذي يختار وجهة غوفي .
وهنا يتدخل رئيس جمعية السياحة والحرف التقليدية كاف العروس محمد بن مدور المعروف في أوساط السياح الوطنيين والأجانب باسم حرودة لكونه عميد المرشدين السياحيين بغوفي ليؤكد بأن كل المعروضات عليها طلب ويبقى التهافت الكبير للزوار على اكتشاف المناطق الخفية من غوفي التي زاد من سحرها الوادي الأبيض والقلاع (ثيقليعث) وكذا الواحة التي تمتد إلى غاية منطقة كاف العروس التي تعد الحد الفاصل بين ولايتي باتنة وبسكرة .
لكن الإعجاب بشرفات غوفي لا يتوقف عند الموقع فحسب وإنما يتواصل على طول المسلك الذي يمتد عبر تكوت و كيمل وصولا إلى قمة شليا (خنشلة ) ثم اينوغيسن فايشمول و دشرة أولاد موسى بباتنة حيث يتعانق التاريخ وجمال الطبيعة الساحرة في منطقة يجزم العارفون بخباياها بأن السائح إذا أتاها مرة سيزورها مرات عديدة ويعاوده الحنين إليها كلما تذكر شرفاتها الفريدة ونخيلها وحتى أشجار صنوبرها التي تعود إلى مئات السنين.
اترككم مع هذه الصور
ما رايكم في المنطقة
الى القاء في موعد اخر ومنطقة اخرى من مناطق ولاية باتنة