علمنا رسول الله
علمنا نبي الرحمة أن الحلم .. خلق كريم بل هومن أرقى الأخلاق وأرفعها ولا يقدر على تحقيقه إلا من رحم الله من المؤمنين إنه ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب .. هو دليل على قوة شخصية صاحبه ، و وسيلة لكسب احترام الناس والخصوم وامتصاص غضبهم بل وتحويلهم إلى أصدقاء ، كما قال عز و جل لرسوله : (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته : (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه و لا ينزع من شيء إلا شانه )، وامتدحه على أخلاقه كلها ، ومنها خلق الحلم ، تلك الصفة التي تحلى بها نبينا وكانت سببا لدخول الكثير ممن عاداه و آذاه للإسلام .
فالحلم لا يأتي إلا بالخير والبركة والراحة النفسية لصاحبه ولمن حوله ، والشدة والغلظة والغضب لا تجلب إلا الشر والمشاكل وتزيد الأمور تعقيداً ولا تسهم في حلها ، وهاك مثالا من عصرنا الحديث على فائدة الحلم وثمراته .. لما تعدى الغرب على رسول الإنسانية وخرج الناس للشوارع يحرقون السفارات ويضرمون النار في الأماكن العامة فكم دخل الإسلام من أولئك الذين أساوؤا ومن والذين سكتوا على هذا التطاول على رمز عزنا وهدايتنا ونجاتنا ..؟؟؟
1ـ لكن نرى في نفس الوقت وبنفس المشاعر جموع خرجت بحلم وسكينة و وقار لتعرف أولئك بالنبي محمد الرحمة المهداة لكل الناس بعد أن فكروا كيف يقابلون الإساءة بالإحسان الذي يعود على المسلمين بالخير ، فطبعوا المصاحف بعدة لغات ووزعوها فتعرفً الناس على حقيقة الإسلام.
2ـ ومنهم من ترجم أحاديث هذا النبي العظيم وطبعها في كتيبات صغيرة وقام بتوزيعها .
3ـ ومنهم من وقف في الطرقات وقدم الزهور وأرفقها بحديث عن عظمة الإسلام ونبي الإسلام .
4ـ ومنهم من أقام الندوات للتعريف بدين الإسلام ودعا لهذه الندوات الكثير من الأصدقاء والمعارف من أبناء جلدتهم وبذلك دخل المئات في دين الله ومن لم يدخل اقتنع بأنها إساءة للمعتقدات وليست حرية شخصية فرفضها وسيرفضها مجددا وسيقف في صف المسلمين أن تكرر تطاولهم لا قدر الله ، لقد تعلموا من معلم البشرية هذا الخلق واقتدوابمعلمهم فأمن الناس على أيديهم (كما أمن الناس من قبل بسبب حلم النبي عليهم وحسن تصرفه وحكمته في الرد على أذاه)
نموذج من حلم الرسول الله
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الناس خلقاً وكان أحلمهم قال الله تعالى آمراً إياه بالحلم : {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} ، وامتثل صلى الله عليه وسلم أمر مولاه حتى سجلت سيرته أروع الأمثلة في الحلم والعفو، فقد كان يُواجَه من أعدائه بأساليب الاستفزاز والأذى والكلام البذيئ الفاحش الذي لا يستطيع أحد الصبر عليه .. أذى يخرج الإنسان عن طوره ، لكنه مع ذلك كان مثالاً للحلم والصبروالدعاء لهم بالهداية.
وما أروع قصة زيد بن سنعة هي مثالا للحلم وما أحلى ثمرات الحلم ، هوأحد أحبار يهود المدينة المنورة الذي جاء ليتأكد من ذلك النبي الذي قرأ صفته عندهم في التوراة أنه ( يسبق حلمُه غضبَه ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً) ضل يفكر ويراقب النبي مراقبة تبصر وراجع في التوراة صفات الأنبياء مراجعة تحقق وتدبر وبقي يتردد إلى رسول الله وكرر المجيء حتى رأى الفرصة السانحة لما يريد ، إذجاءت على المسلمين سنة ضيقة مجدبة ، وسارع الحبر اليهودي فقال لرسول الله : أنا أقرضك ما تعينهم به ولكن اجعل بيني وبينك أجلاً توفيني عنده هذا الدين . قال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم .
وضرب لليهودي أجلاً معيناً ومرت الأيام ودنى ذلك الأجل واقترب موعد السداد فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل اليوم المعين بمدة ليطالبه بالدين فقال النبي له إن الأجل لم يحن بعد ، فاقترب الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم وقال بشدة بغلظة وشراسة قائلاً : يا محمد أعطني حقي فإنكم معشر بني هاشم قوم تماطلون في وفاء الدين ، فإذا بسيدنا عمر رضي الله عنه تأخذه الحمية فيقول يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنق هذا الكافر فقد آذى الله ورسوله ، لقد أخذت الحمية من نفس عمر ولكنها لم تأخذ من نفس صاحب الحق الذي أوذي بغير حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا دعاه ذلك إلى البطش بالمعتدي كما هي عادة الزعماء والأمراء بل صبر وترفق بالمعتدي غاية الرفق ثم قال قولة التكرم والتسامي : يا عمر كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك كنت أحوج إلى أن تأمرني بحسن الأداء وكان أحوج إلى أن تأمره بحسن الطلب اذهب فاقضه حقه وزده عليه لقاء ما خوفته .. يا لله من يطيق هذا ؟؟ لكنه محمد القائل أدبني ربي فأحسن تأديبي .
سمع الحبر كلام رسول الله ورأى البشر في وجهه وتجلى له الخلق العظيم الذي جعله الله من دلائل النبوة وتأكد من نبوته ، فسأله سيدنا يا عمر : لم فعلت ذلك فأجاب إنه لم يكن شيء أعرفه من علامات النبوة إلا رأيته في وجه رسول الله حين نظرت إليه إلا شيئين لم أكن رأيتهما بعد ( يسبق حلمُه غضبَه ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً) فقد رأيت الآن وعلمت فاشهد يا عمر أني قد رضيت بالله تعالى رباً و بالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً وأشهدك أن شطر مالي صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذه هي ثمرة الحلم
وصدق رسول الله لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم
فهذه دعوة لتعلم هذا الخلق وللتخلق به وتطبيقه ونشره بين الناس من جديد ، فلنعد إليه وكما قيل :الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم ،
وقيل أيضا : الحلم أرفع من العقل
والله ولي التوفيق وإنما الأعمال بالنيات
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النّفس بالأخلاق تستقم ...