لا شك أن اللغة الإنجليزية هي أكثر اللغات انتشارا في العالم. حيث إن شخصا من بين كل أربعة أشخاص في العالم يستطيع التواصل باللغة الإنجليزية. فاللغة الإنجليزية هي اللغة الرئيسة في التجمعات السياسية الدولية، وهي اللغة الرسمية لـ 85% من المنظمات العالمية، وهي لغة الكثير من المؤتمرات الدولية، ولغة التداول الأولى في المجال التكنولوجي والتجاري والمصرفي والسياحي، ولغة غالبية الأبحاث العلمية والمراجع والمصطلحات والاقتصاد المال والأعمال، وغالبية الصحف المشهورة وبرامج التلفزيون والأفلام وشركات الطيران والشركات المتعددة الجنسيات والعمالة الأجنبية، ولغة 90% من المادة الموجودة على الانترنت. كيف ومن أين جاءت قوة اللغة الإنجليزية؟ تلقي الدراسة الحالية الضوء على العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية التي ساهمت في جعل اللغة الإنجليزية اللغة العالمية الأولى وأوسعها انتشارا في الماضي والحاضر ومستقبل اللغة الإنجليزية في العالم
ما الذي جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية دون غيرها من اللغات؟ هناك سببان أحدهما تاريخي جغرافي والثاني اجتماعي ثقافي. وتعود العوامل التاريخية إلى أيام الحملات الرائدة إلى الأمريكتين وآسيا والقطبين. حيث استمر هذا التوسع في القرن التاسع عشر مع التوسعات الاستعمارية colonial developments في إفريقيا وجنوب المحيط الهادي تلاها خطوة أخرى هامة في منتصف القرن العشرين عندما تبنتها العديد من الدول المستقلة حديثا وجعلتها اللغة الرسمية. واللغة الإنجليزية ممثلة الآن في كل قارة وفي جزر أهم ثلاث محيطات هي: جزر سينت هلينا في المحيط الأطلسي، وجزر سيشل في المحيط الهندي، وجزر كثيرة في المحيط الهادي مثل فيجي وهاواي. وهذا التوسع في التمثيل جعل من تطبيق مصطلح اللغة العالمية على اللغة الإنجليزية حقيقة
أما الجانب الاجتماعي الثقافي فيظهر في الطريقة التي يعتمد فيها الناس في جميع أنحاء العالم على اختلاف مشاربهم وفئاتهم على اللغة الإنجليزية في رفاههم الاقتصادي والاجتماعي. حيث ترسخت جذور اللغة الإنجليزية على الصعيد الدولي في الحياة السياسية والتجارية والأمنية والاتصالات والترفيه والتواصل ووسائل الإعلام والتعليم. ويقدر الملايين من الناس وجود لغة مشتركة تسهل العلاقات والاحتياجات الإنسانية العالمية. حيث تعتمد عليها مجالات أخرى كثيرة مثل صناعة برمجيات الحاسب.
كيف نشأت اللغة الإنجليزية
منذ وصلت اللغة الإنجليزية إلى بريطانيا من شمال أوروبا في القرن الخامس الميلادي وهي في حالة حركة دائمة حيث بدأت في الانتشار حول الجزر البريطانية ودخلت أجزاء من ويلز وكورنوول وكامبريا وجنوب اسكتلندا. وبعد الغزو النورماندي عام 1066م، هرب الكثير من النبلاء إلى اسكتلندا، وانتشرت اللغة الإنجليزية في الأجزاء الجنوبية منها. وابتداء من القرن الثاني عشر، أرسل الفرسان الأنجلو نورمانيين عبر بحر ايرلندا وبذلك وقعت ايرلندا بالكامل تحت حكم الإنجليز بالتدريج. حدث هذا على الصعيد المحلي. ولم تبدأ اللغة الإنجليزية بالانتشار خارج الجزر البريطانية إلا بعد 300 عام أخرى. فمع نهاية القرن السادس عشر، بلغ عدد المتحدثين باللغة الإنجليزية بين 5-7 مليون عاش اغلبهم في الجزر البريطانية. وفي الفترة بين نهاية حكم الملكة إليزابيث الأولى عام 1603م، وبداية حكم الملكة إليزابيث الثانية عام 1952م، تضاعف عددهم إلى نحو 250 مليونا، عاش اغلبهم خارج الجزر البريطانية، وشكل الأمريكان غالبيتهم.
اللغة الإنجليزية في الحاضر
إن المكانة التي تتمتع بها اللغة الإنجليزية هذا اليوم ناجمة عن عاملين: الأول: التوسع في القوة الاستعمارية البريطانية التي بلغت أوجها مع نهاية القرن التاسع عشر وظهور الولايات المتحدة كقوة اقتصادية الأولى في القرن العشرين. والعامل الثاني هو الذي يفسر لنا سر بقاء اللغة الإنجليزية لغة عالمية في الوقت الحاضر. ففي الولايات المتحدة 70% من الناطقين باللغة الإنجليزية (كلغة أم). إضافة إلى الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تجعل الطريق الذي ستسير فيه اللغة الإنجليزية في المستقبل بيد الولايات المتحدة.
اللغة الإنجليزية في المستقبل
ويمكن تمثيل الوضع الحالي للغة الإنجليزية في العالم بثلاث دوائر متداخلة: (1) الدائرة الداخلية تشير إلى الدول التي تستخدم فيها اللغة الإنجليزية كلغة أم مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ونيوزيلاندا واستراليا. (2) الدائرة الخارجية وتشير إلى الدول التي تستخدم فيها اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في بيئات متعددة اللغات مثل سنغافورة والهند وملاوي إضافة إلى خمسين دولة أخرى. واللغة الإنجليزية هنا هي لغة مؤسسات الدولة الرئيسة (3) الدائرة المتسعة وتشمل دولا تعترف بأهمية اللغة الإنجليزية كلغة عالمية، على الرغم من أنها لم تكن محتلة من قبل دولة ناطقة باللغة الإنجليزية مثل روسيا والصين واليابان واليونان وبولندا. وعدد الدول في هذه الدائرة في ازدياد. حيث تدرس اللغة الإنجليزية في هذه الدول كلغة أجنبية. وما يدعو للانبهار ليس عدد المستخدمين للغة الإنجليزية، بقدر ما هو سرعة انتشارها من الخمسينات والستينات من القرن العشرين.