إننا نعيش في هذه الدنيا إلى أجل معدود
و إن الدنيا بأكملها ، بزينتها وزخرفها لا تساوي عند الله جناح بعوضة
و هي أيضاً مجبولة على النقص فلا تمام لشيء فيها أبدا
فلا سعادة تدوم لصاحبها ، و لا غنى يدوم لصاحبه ، و مهما ذاق العبد فيها حلاوة فإنها زائلة من بين يديه .. أو هو سيزول عنها
إلا حلاوة الطاعة و الإيمان فهي باقية إلى يوم الدين و هي التي تنفعه يوم لا ينفع مال و لا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم
و نحن لو نعلم ذلك يقيناً لما تسارعنا و تسابقنا في جمعها بل و تفاخرنا و تحاقدنا و تحاسدنا
قال الله تعالى : " وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا"
هل من عاقل يجعل همه أن يجمع الهشيم في يديه و الرياح على أشدها ؟؟
فلا الهشيم له قيمة ولا هو سيبقى له
لحظة لنتذكر ما هو أهم ..
إنها ليست فقط ستزول فلا يبقى أثر
كلا .. بل إنها مسجلة في كتابنا عند الله " وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ "
فكل ما نتفانى في الحرص عليه و الإستزادة منه من متاعها الوضيع سنُسأل عنه كله ..
فقل بالله عليك :
أفلا يجدر بنا أن نحمل هم هذه اللحظة ؟؟
أفلا يحق أن نخفف ما استطعنا من هذه الأحمال ..
أن نخفف على أنفسنا طول الحساب و شدته ..
أن ننقي بالنا المشغول بها و الملهوف عليها و نملأه بما يقربنا للجنة ؟!
إنّ ما نراه في حياتنا اليومية بين النساء و رغبة كل واحدة أن تكون أفضل من الأخرى و أجمل و ما عندها أكثر ..
ليس في الأعمال الصالحة و في التقوى و لكن في اللباس و الأغراض و المكانة و .......
بكلمة شاملة [ الدنيا ] ..
هل هذا هو حال من أيقن بحقارة الدنيا و من ثم زوالها ؟؟
أم هو حال من أيقن بأنها سيحاسب على كل خطوة و نظرة و أكلة و شربة ؟؟
أو هو حال من أيقن بأن ما عند الله خير و أبقى ؟؟
لا يغرنك تسابق المتسابقين عليها
فهي بحر سالكه في غفلة و أعماقه الهلاك و الضيعة
و اطلب ما عند الله و اعمل له في الدنيا
فهي ساحة البذل و العناء
و دع عنك الكد في جمعها فذلك الخذلان و الخسران
وقفة :
عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِشَرْبَةِ عَسَلٍ فَذَاقَهَا ، فَإِذَا مَاءٌ وَ عَسَلٌ ، فَقَالَ :
" اعْزِلُوا عَنِّي حِسَابَهَا اعْزِلُوا عَنِّي مُؤْنَتَهَا"
و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُصْلِحُ خُصًّا لَنَا ، فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ قُلْنَا : خُصًّا لَنَا وَهَى فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّ الْأَمْرَ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ" إسناده صحيح
فإن أنت أبصرت الدنيا مقبلة عليك تفتح لك أبوابها فلقن نفسك : اعزلوا عني حسابها
وإن راودتك نفسك للهث خلفها فذكرها : إن الأمر أعجل من ذلك
غفر الله لي ولكم