....و أحسست ببرودة تتسلل كيانها ...انقباض شديد في قلبها...غصة تنبض بدقات متتالية ، متسارعة في حلقها...فتجبر نفسها على كتمانها ، كي لا ترتسم ملامح الضعف في وجهها أمامهم...رغم أن عيناها كانتا دائما تفضحان مشاعرا طالما اعتقدت أنها تخفيها...
...يعتريها غضب ، قلق غير عادي...فتهرب متسللة حتى لا تثير انتباههم...و لكونها تدرك أنها ستنهي كعادتها كتمانها هذا بطوفان دموع...
..تحاول مسحها بعنف ، لكنها تأبى التوقف عن الهطول....تخفيها من جديد...فتصرخ عنها شهقات متقطعة...تشبه لحد كبير شهقات طفل تائه...وسط الأدغال...ابتلع صوت بكاءه من الخوف...ووحدها تلك الشهقات كانت تقطع صمته الرهيب...
...بخجل شديد كانت تعترف بضعفها أمام مرآة ، طالما كانت ملجأها الوحيد أثناء بكاءها...تقف أمامها ...و بجنون بريء طالما عهدته فيها تحاول أن تسكت نفسها....لكن كلما كانت تتأمل عيناها ، كانت تشهد خوفا داخلهما...تنهيه بأنهار دموع...رغم ذلك بقيت تلك وجهتها الوحيدة...منذ الصغر...تسرع للوقوف بين يديها كلما شعرت في رغبة بالبكاء...كلما أحست بشيء من الخوف و اللأمان...و كلما قررت اعتزال الناس... و رغم أنها كبرت الا أن تلك القطعة الشفافة من الزجاج بقيت ملاذها الوحيد للاختباء بدموعها من أمام اخواتها يوم زفافهن أو بالأحرى يوم وداعهن
...طالما تحملت تلك المرآة ، و لا زالت تتحمل جنونا تعتقد أن لا أحد سواها يمكنه تحمله...
...كانت تنهي بكاءها...حديثها المطول مع نفسها أمامها أو من الأصح أن أقول معها...تمسح عيناها...تهدأ..بطريقة أتوماتيكية ترفع ربطة شعرها باحكام الى الأعلى...ربما لتخفي ملامح البكاء ...و تخرج من تلك الغرفة منفجرة بالضحك....تلاحقها نظراتهم...و بلامبالاتها تتبعها تعليقاتهم ، بين طارح للسؤال عن سبب البكاء ...و مجيب بأنه موعد فترة بكائها الجنوني..،...و بين مستهزىء بأنها لم تتناول دواء هيسترياتها بعد...و مستفز يذكرها بموعد اقتراب الرحيل الى جامعتها....و ضحكات متتالية ، يحاولون من خلالها التعبير عن خوفهم ...و ربما عن حبهم ...خاصة و أنها تعلم علم اليقين أن أفراد أسرتها يتهربون من الاعتراف بأحاسيسهم ، فيجسدونها بطريقة هزلية...ليتفادوا تلك الأحاسيس المرهفة التي ربما يرونها اما ضعفا أو بدرجة كبيرة أحاسيس بديهية لا يجب الاعلان عنها و التعامل بها
...أجل هاهي ذي تعود الى طقوسها التي تواضب عليها خاصة مع اقتراب موعد رحيلها...
يتبع