المحاضرة رقم 04: الأدب الشعبي والأدب العامي ومجالهما1-إشكالية المصطلح :
نحاول أن ندرس الأدب الشعبي والأدب العامي من المنظور اللغوي والدلالي ولكن قبل ذلك ينبغي أن نحدد المصطلحين (الشعبي) و(العامي).
إن السؤال عن الشعب قد وارد الدارسين في القرن 18 الذي ازدهر فيه الإحساس بالفردية والإتجاه العقلاني في التفكير.
أما الأسباب التي دفعت الدارسين إلى البحث عن مفهوم الشعبية فإنها تتمثل فيما يلي :1/- العامل العلمي : عندما بدأ العلماء يهتمون بفلسفة التاريخ كان من الطبيعي أن يتساءلوا عن الروح الشعبية التي تفوق القوة الفردية في تأثيرها في التطور التاريخي .
2/- العامل الإجتماعي الوطني :كان نتاجا لإعجاب المؤلفين والكتاب الرومانسيين بكل ماهو شعبي وقومي وتدل عبارة (ج ماير) على هذا الإعجاب حينما قال "لقد خلع الكتاب الرومانسيون معطف الشحاذين عن الشعب الألماني وألبسوه معاطف الملوك وتيجانهم"
إن الفترة الرومانسية وهي التي شعر فيها الباحثون بعقدة الذنب تجاه الشعب الذي أهمل طويلا، في دراستنا وأحاديثنا اليومية العامة.
يرى هوفمان كراير في بحث نشره عام 1902 أن كلمة الشعب تحتوي على مفهومين أحدهما سياسي يستخدم مصطلح الأمة والآخر اجتماعي أو حضاري يستعمل مصطلح الشعب ويعتقد هوفمان أن الدراسات ينبغي أن تهتم بالشعب صاحب المفهوم الحضاري
يعاني مصطلح (الشعبي) في الأصل غموضا والتباسا دلاليا إذا أخذنا بالحسبان تعدد المعاني Polysémie الذي يتميز به. إن المؤلفين والدارسين الذين يستخدمون مصطلح الأدب الشعبي لا يعطون جميعا الدلالة نفسها لكلمة (شعبي) بمعنى أن هذه الكلمة ذات قدرة على تقديم عدد وافر من الدلالات وبذلك تتضح مشكلة هذا المصطلح في كونه شكل التعارض بين ما هو عليه الواقع بكل أبعاده الإجتماعية والسياسية والجغرافية والتاريخية والثقافية وبين ما تتطلبه خصوصيات هذا الصنف من الأدب.
في دراساتنا وأحاديثنا اليومية نستعمل مصطلح (الشعبي) فماذا نريد مثلا بقولنا : الأدب الشعبي، الثقافة الشعبية، المهرجان الشعبي، الثورة الشعبية، الأغنية الشعبية الخ... للإجابة هن هذه الأسئلة نقول في البداية أن القدامى من العرب والمسلمين كانت لهم فكرة وعند البعض منهم دراسات عن هذه المادة العريقة ولكنهم وظفوا مصطلحات أخرى للدلالة عليها، وقد ذكر ابن خلدون على سبيل المثال أن أهل أمصار المغرب يسمون القصائد بالأصمعيات نسبة إلى الأصمعى راوية العرب في اشعارهم وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع بالشعر البدوي، أو الشعر الهلالي كما استخدم صفى الدين الحلي مصطلح الأدب العاطل.
إن الموروث الشعبي في نظر المؤرخين الأوائل شيء يتصل بالعامة التي غالبا ما أعطيت أوصافا سلبية كالغوغاء أو الدهماء أو أنها – على تعبير إخوان الصفا – تضم النساء والصبية واللاحقين بهم في العقل من الرجال، فلقد شكل التضاد الثنائي بين الخاصة، العامة أحد المحاور الأساسية للرؤية العربية الإسلامية التي سادت المجال الإجتماعي والتاريخي المعروف منذ القدم، فالتقدم من شأن الخاصة وهو موجود في الحضر أما العامة فهم جهلاء ويمثلون عقبة في طريق الحضارة.
إن هذا الفهم عن الخاصة والعامة موجود ايضا إلى حد كبير في كتابات الرحالة بل هو جزء من نظام الفكر الذي كان سائدا في عصورهم وخصوصا أن الدين الإسلامي يقر مسألة التراتيب الإجتماعية، إلا أننا نجد اختلافا في معايير التمايز بين الطبقتين، فبينما أوضح إخوان الصفا أن العقل (أو العقلانية) أساس للتنفرقة بين مراتب الناس رأى الجاحظ في التخصص في العمل والمعرفة معيارا للتراتب الإجتماعي في حين نظر ابن بطوطة إلى الخاصة والعامة من خلال ممارسات الحياة اليومية كالطعام والشراب والملبس والمراسيم والإحتفالات.
وإذا كان مصطلح الأدب الشعبي متكون من ألفاظ عربية فإن مفهومه مستمد من الفولكلور الذي اقترحه وليام جون تومز سنة 1846 في حين نجد مصطلح (العامي) أعرق من حيث الإستعمال حيث ميز العرب القدماء المادة الحية التي جمعوها بأنها "الذائعة بين العوام" كما كان الكتاب أمثال الجاحظ ومن عاصره يسمون هذه المادة أدب العامة، ويرجح الباحث التلي بن الشيخ أن تسمية الأدب العامي لا تخلو من تأثير سياسي ذلك أن هذا الوصف يوحي بأن وضع الطبقات الدنيا يختلف عن مكانة الخاصة، أن تسمية الأدب العامي لا تخلو كذلك من تأثير إجتماعي حيث إن بنية التركيب الإجتماعي قبل عصر النهضة الحديثة كانت قائمة على أساس طبقي يفاضل بين أنماط التعبير حسب الوضع الإجتماعي، وقد كان الأديب متأثرا بهذا الواقع ينظر إلى أدب العامة نظرة احتقار وازدراء. وقد كان أحد الأدباء إذا استهجن شيئا قال "هذا من سقط العامة" أو "عقيدة العامة كذا" و"ذلك من سفاف العامة" أو "من أباطيل العوام وأوهامهم" و"هذا ما لم تستطع أن ترتفع إليه العامة".
إن كلمة Popular في اللغة الإنجليزية تدل على الشيوع أكثر من دلالتها على كون الشيء شعبيا. فالشعبي يفترض الشيوع علاوة على العمق الزمني البعيد ولكن الشيوع لا يدل حتما على شعبية المادة فأغاني مطرب مشهور اليوم قد تكون شائعة ولكنها ليست بالضرورة أغاني شعبية. فالشعبي أمر يرجع إلى الشعب أو خاص بالشعب. ويعرف سانتيف Saintyves صفة شعبي تمييزا لها عن كلمة رسمي officiel بأنها ما يمارس أو ينتقل transmission بين الشعب مع استبعاد كل ما تقوم السلطة القائمة بفرضه أو تعليمه.
ويرى أريكسون ARIXON خصائص أخرى لهذا المصطلح. فالعنصر الشعبي في نظره يجب أولا أن يكون جزءا من الشعب وألا يكون شيئا يتمسكون به لفترة قصيرة من الزمن ثم يجب ثانيا أن يكون شامل الظهور داخل الجماعة البشرية ومتكيفا مع ثقافتها.
ونعتبر أن مصطلحنا العربي (الشعبي) ليس في الواقع ترجمة لكلمة popular الإنجليزية ولكنه ترجمة لمصطلح سانتيف الأصلي وأقرب في راينا للدلالة عليه ولا سيما إذا أخذناه بمضامينه الإجتماعية والسياسية السائدة.
لقد جاء الخلط في هذه الدلالة من سوء استعمالنا لكلمة (شعبي) فهي في قاموس حياتنا اليومية تدل على كل ما هو أدنى الدرجات فالقماش الرخيص يطلق عليه إسم القماش الشعبي والفول أساسي في الوجبات الشعبية والأحياء العتيقة والفقيرة في المدينة تسمى الأحياء الشعبية . ومن هنا يرى الباحث عبد المالك مرتاض أن إطلاق مصطلح (الشعبي) على كل نتاج أدبي مروي أو مكتوب بلغة عامية أو مكتوب بلغة فصحى منطقيا غير مستقيم، ويبرر موقفه هذا بأن هذا الإطلاق الشائع ساذج ولا ينبغي له أن يرقى إلى مستوى المصطلح النقدي الدقيق المفهوم الصارم حيث أن الشعبي لدى عامة الناس يطلق تهجينيا على كل ما هو مفتقر إلى الرقي والسمو فكأن مثل هذه الإطلاقات تعني كل موروث سواء أكان راقيا أم رديئا. ويلاحظ أن مصطلح الشعبي ورثه العرب عن علم الأنتروبولوجيا الذي تأسس بالغرب. ولذلك قرر رفض هذا المصطلح الساذج لأمرين : لأنه يهجن كل ما ينتمي إلى الشعب ثم إن الشعبي يطلق على كل نتاج خيالي يعول على الشفوية أساسا، مع أن هذه الشفوية لم تكن تعني في بداية أمرها (الشعبي) كما نلاحظ ذلك في سيرة الشعر العربي قبل الإسلام والآثار الأدبية الإغريقية قبل انتشار الكتابة فكأن الشفوية تعني الأسطوري والكتابة تعني العلمية، ويعتقد هذا الباحث كذلك أن الدارسين يتعاملون مع مصطلح الشعبي بكثير من التجاوز حيث أصبح يطلق على كل أدب مروي أو مكتوب بلغة فصيحة مثل ألف ليلة وليلة والسير العربية أو عامية وهي لغة معظم الآداب الشفوية على اختلاف أجناسها ولكن هذا الأدب في حاليه الإثنتين يصطبغ بصبغة خيالية تميزه عن الأدب المدرسي. ويوجز الباحث تقديم هذه الإشكالية في نقاط : ليس كل ما يكتب بالفصحى يكون بالضرورة أدبا رسميا إذ كثير من الأثار الخالدة كتبت أو رويت بالفصحى البسيطة وهي مع ذلك تصنف في الآداب الشعبية وليس كل ما يكتب بالعامية أيضا يعد بالضرورة أدبا شعبيا.
إن شعبية هذا الأدب تكمن في خصائص أخرى كالإعتقاد بالغيب والتعامل مع المجهول واصطناع حيز غير جغرافي والتعايش مع الكائنات الخارقة. ورغم أن ملاحظات الباحث صحيحة إلى حد ما فإنه مع ذلك لم يقدم إقتراحا فيما يخص تسمية هذا الصنف من الأدب وعندما نحاول أن نعالج إشكالية المصطلح من الناحية الإجتماعية نواجه تساؤلات عديدة قد يتمثل الشعب في الفلاحين وسواد الشعب كما هو الحال بالنسبة لتجار الأثريات Antiquaires وجامعي الحكايات وبعبارة أخرىنقصد بذلك الطبقات الدنيا في مقابل الطبقات العليا، وقد نفكر في الطبقات ذات الثقافة المحدودة أو التعليم البسيط في مقابل النخبة والكتاب والعلماء، ويمكن أن نشير بالشعب إلى الطبقة الغليظة والخشنة في مقابل الطبقة الأنيقة الرشيقة اللبقة.
وقد نقصد بذلك أيضا التعمير Peuplement بالمعنى الذي يمكن أن نقول أن التعمير الألماني هو جرماني والتعمير الروسي سلافي والتعمير الجزائري أمازيغي وعربي. وهل نفكر في الأمة أو الإثنية أو نظام الروابط التي توحد أعضاء السكان أنفسهم لأنهم يتقاسمون اللغة ذاتها والتاريخ نفسه والدين نفسه والقواعد نفسها والإقليم نفسه ؟ وهل نريد بذلك بالعكس الشعب في نطاق علاقته مع السيادة الوطنية، هذا الشعب الذي يرى مونتسكيو وروسو أنهما خاضعان بل تابعان للأمير أو الملك في النظام الملكي أو السلطاني ولكنهما يمثلان الحائز الشرعي المترتب عن السيادة في النظام الجمهوري.
إن كل هذه الأبعاد حاضرة في عبارة الأدب الشعبي كما يتصورها الغربيون، إن مصطلح الشعبي يأخذ دلالات متنوعة وحسب التاريخ الثقافي للبلدان التي استعمل فيها، إن الرجوع إلى الشعب في البلدان الجرمانية مثلا منذ "خطابات للأمة الألمانية" للفيلسوف فخت FICHTE (1807) يرمي بالدرجة الأولى إلى الألمان عامة من حيث هم أمة مبعثرة مشتتة بين دول متعددة، والإشارة إلى كلمة الشعب اليوم ولا سيما بعد توحيد ألمانيا تدل على الجنسية الألمانية والأثنية، وعندما يقول بوسلايف BOUSLAÏEV أن الأدب الشعبي هو (لفظ الشعب بأسره) فإنه لا يرجع إلى الشعب الروسي بقدر ما يشير إلى الشعوب السلافية حتى ولو أن جل أعمالهم الأدبية مثل بروب PROPP (مورفولوجية القصة) موجهة إلى القومية الروسية، كما أن مصطلح الأدب الشعبي يختلف معناه في الثقافة الأمريكية حيث أن الوضعية التاريخية لأمريكا تختلف جذريا عن أوربا، إن مصطلح (الشعبي) أو (التقاليد الشعبية) في الدراسات الأمريكية يقول بن أموس BEN AMOS أداة التفكير وليس موضوعا للبحث لأن موضوع البحث هو الأدب أو التراث أو الفولكلور، ويسندون هذا الموضوع إلى مكونات سكانية محددة وهي الإنجليز والسود وقبائل الهنود الحمر وأهل كندا الناطقين باللغة الفرنسية وأهل المكسيك.
إن الإهتمام بهذه المكونات السكانية ليس بسبب العرق بقدر ما هو محصور في أن المعارف والممارسات والرموز مهددة بالزوال والإتلاف ولا يمكن تعويض هذه العناصر الشعبية والحفاظ على المتشابه والحي منها سواء من خلال الثقافات البدائية أو الثقافات ذات المستوى المتحضر البسيط وهو ما يعني البحث عنها في الطبقات الدنيا من المجتمع الأمريكي. وهكذا نجد أن كل البلدان الغربية تعطي لنفسها الأسلاف والأجداد الذين تختارهم شعوبها. وتمثل هذا الأسلاف رموز الهوية الوطنية وذلك بتجنيد القوى الإجتماعية حولها. إن سربيا كثيرا ما تجعل أبطال معركة كوسوفو مرجعا لها (1389) حيث أدى النزاع مع مسلمين البوسنة إلى إحياء النعرة العرقية من جديد. إن كل الدول الغربية تحاول أن تواجه منذ العهد القديم تحديين : إدراك التأخر بالنسبة للتطور وتأكيد فرديتها بتجنيد قوى المجتمع بأسره حول رموز الهوية الوطنية.
وقد يكون من المفيد في هذا المقام أن نشير إلى كلمة شعب كما وردت في لسان العرب. إن الشعب هو ما تشعب من قبائل العرب، والشعب : القبائل إذن يمكن أن نستخلص منها أنها تعني أكبر الوحدات البشرية تكوينا وأنها ترمز إلى الكل أو المجموع، وعلى هذا الأساس يمكن النظر إلى الشعب باعتباره مجموع الناس بطبقاتهم المختلفة سواء أكانت إثنية أو مهنية أو دينية، إن كلمة الشعب لا تستخدم في الدراسات الأثنوغرافية لتعني الطبقة المدنية مقابل الطبقة الحاكمة كما هو شائع في السياسة والإعلام. وكأن الشعبي عندنا هو الإنسان الذي يرتدي جلبابا أو برنوسا أو عمامة أو عباءة وأن يتردد على مقاهي القرية فقط.
وإذا كان بعض الباحثين يتحفظون في إدماج الطبقة الحاكمة في مجموع الناس فإن ذلك ينطبق فقط على الفترة المعروفة في التاريخ العربي بعصر الإنحطاط حيث شكل الحكام لفترات زمنية طويلة ومتعاقبة طبقة غريبة عن الناس سواء في انتمائها العرقي أو الثقافي. ويرى الباحث موسى الصباغ أن أول معاني الشعبية هو الإنتشار الذي يعود مصدره إلى التشعب الوارد في لسان العرب. وبما أن الشعوب تمتد في تاريخها إلى جذور عميقة موغلة في القدم والعراقة فإن المعنى الثاني للشعبية هو الخلود. ومن ثم فإن كلمة شعبي عندما نطلقها على الشيء لابدّ أن يتسم بالإنتشار والخلود في المكان والزمان، وعليه فإن ماهية كل جنس أدبي أو فني خاضعة بالضرورة لهذين الملمحين (الإنتشار والخلود) أو بمعنى آخر (التراثية والتداول) وذلك سواء في اللغة أو الدلالة.
وهنا يتحتم علينا أن نقف عند آراء الباحثين الذين عرضوا لمفهوم الشعب بالنسبة للدراسة الشعبية. يقوم الباحث بوحبيب بتحليل دلالي لتسمية (أدبي – شعبي) ويرى أنه إذا كانت صفة الشعبي تشير إلى كيان اجتماعي وسياسي وثقافي (الشعب) فإن هذا الوصف يمكن أن يقصد به ثلاثة احتمالات :
-أدب أنتج من أجل الشعب بصفته قارئا أو متلقيا للأدب.
-أدب يتحدث عن الشعب موضوع للأدب
-أدب أنتجه الشعب ذات جماعية مبدعة.
1/- إن الأدب الذي ينتج من أجل الشعب قد ينطبق على أدب المؤسسات وأدب التجمعات معا.
2/- الأدب الذي يتحدث عن الشعب يشمل كل الآثار أو الأشكال التي تعالج السلوك الجماعي وهذا مالا يقبل التصنيف في خانة واحدة.
3/- ويطرح الإحتمال الثالث أشكالا منهجيا : الشعب شخصية معنوية مجردة من الملامح بينما الأدب عملية ابداعية فردية أصلا فكيف يكون الأدب من انتاج جماعة غير محددة في الزمان والمكان نجد منهم من وسع رقعة الجماعة الشعبية بحيث شملت الشعب كله في مستوياته الثقافية والإجتماعية المختلفة.
ميز بعض الباحثين ومنهم نبيلة ابراهيم بين معنى الشعبية في التعبير الفني ومعنى اصطلاح الشعب عندما نتحدث عن الشعب الجزائري مثلا فإنما نعني كل فرد مهما كانت درجة مستواه العلمي أو الإجتماعي ولكن عندما ننطق بعبارة الأدب الشعبي أو التراث الشعبي أو الموروث الشعبي فإننا نكون على وعي تام بأننا نعني نتاج جماعة بعينها وليس الشعب بأسره.
فماهي هذه الجماعة ؟ ولماذا أصبحت موضوعا للدراسة دون غيرها ؟......
إن كل فرد من الشعب الواحد يحتوي في سلوكه على قدر من الشعبية ولهذا ينبغي أن يكون الحس الشعبي مقياسا بدلا من الجماعة الشعبية.
ومن الباحثين من حصر الجماعة الشعبية في الإهتمامات النفسية المشتركة وإن تكن متفرقة ولا تجمعها مساحة محددة من الأرض، ويذهب أصحاب هذا الرأي الثاني أن التعبير الأدبي لا ينبثق عن جماعات مشتة ومتباينة وإن جمعها الإقليم واللغة والدين والتاريخ. إن أفراد هذه الجماعة يتقاربون فكريا واجتماعيا فضلا عن العناصر الحضارية العامة، وإن لم تجمع بينهم مساحة جغرافية محددة، ومنهم من قصرها على الجماعة المرتبطة برقعة محددة من الأرض الأم وجمع بين أفرادها عادات وتقاليد ومعتقدات، وتشمل الفلاحين والعمال والصيادين والبدو.
إن النمط الأول من الجماعة يستخدم أفرادها أشكال التعبير الشعبي بدرجات متفاوتة سواء في النوع أو في الدرجة، أما الجماعة الثانية وإن جمع بينها السلوك الفكري فإنها لا تعد حاملة لكل أشكال التعبير الشعبي. وتحتفظ الجماعة الثالثة بحصيلة هائلة من أشكال التعبير بحيث نلجأ إليها لجمع المادة ولذلك ترى أنه من الضروري تحديد خصائصها، تحدد الباحثة نبيلة ابراهيم هذه الخصائص فيما يلي :
1-ترتبط الجماعة الشعبية بالأرض القديمة التي احتوت تراث قرون وتعيش بإحساس بوحدة الحياة وتداخل الواقع مع الغيب.
2-الإحساس بالقدسية بالنسبة إلى مفهوم المكان وتشيد فيه رموزا للقدسية كالجامع أو الكنيسة أو الضريح، أما المكان الآخر غير الخاضع لمراقبتها فهو يقف معارضا للمكان الأول من حيث يصبح مأوى للمخلوقات الوهمية والغيبية، كما تعيش في الزمن المطلق ومن هنا الإحساس بالصلة الوثيقة بين الأحياء والأموات وتزور الأموات في قبورهم في المواسم والأعياد، ولذلك تحرص على إحياء احتفالاتها بصفة دورية، وتزحزح الشخوص التاريخية من الواقع إلى الخيال أو المثال حيث تقترب من البطولة الأسطورية.
3-ترتبط هذه الجماعة بالطبيعة سواء بالنبات أو الحيوان أو الطير وبجميع مظاهر الطبيعة.
ومن جهة أخرى يرى بعض النقاد أن التعبير الشفاهي (Littérature Orale) المستخدم في فرنسا يتضمن تناقضا في الكلمات لأن الأدب (Littérature) مشتق من مصدر (Lettres) ويشير مفهومه بالتحديد إلى عمل مدوّن وليس إلى عمل شفاهي. فهو يؤكد على أولية الكتابي عاى الشفاهي. ولذلك يفضل النقاد استعمال مصطلح التراث الشفاهي Traditions Orales الأكثر غموضا ولكنه خالي من التناقض. ثم لا ينبغي الخلط بين الأدب المعبر شعبيا Littérature d’expression populaire بمعنىالذي يعبر عن أفكار الشعب وعواطفه وأخلاقه وبين الأدب المنتشر شعبيا Littérature de Diffusion Populaire الموصوف غالبا بالأدب الهامشي، أدب الجوالة سابقا والروايات المسلسلة والروايات البوليسية أو الروايات السوداء، والروايات المصورة، وهو ما أطلق عليه الباحث ريشارد هو قار تسمية (ثقافة الفقير Culture du pauvre) إن الأدب المعبر شعبيا يكتسب صفته الشعبية بالتعبير في حين أن الرواية الشعبية على سبيل المثال Roman Populaire يتوقف انتشارها بين الشعب على الغاية والمقصد والمصير La destination.
كما يستخدم النقاد في فرنسا مصطلح para littérature شبه الأدب، وهو الإنتاج المطبوع الذي يدرج خارج الأدب، وقد أطلق العلماء هذه التسمية على هذا الصنف من الإنتاج خلال الملتقى (حوار حول شبه الأدب) في سيريزي سنة 1967.
إن هذا المصطلح يترجم العلاقة الغامضة التي تربط هذا الإنتاج بالمؤسسات الأدبية. ويزعم بعض الباحثين أن شبه الأدب موجه للشرائح الإجتماعية التي تعيش على هامش التبادلات الثقافية المهيمنة، ويحيل هذا المصطلح إلى التمييز بين المتعلمين أو المثقفين من جهة والمحرومين من التفكير العلمي وروح النقد والقدرة على إصدار حكم على عمل أدبي أو فني من جهة أخرى، ولكن شبه الأدب ليس أسلوب تعبير جماعة محددة ولا يعبر عن قيم طبقة أو زمرة من القراء خاصة، إن شبه الأدب إنتاج يرمي
إلى إقامة رباط مباشر مع الجمهور. وقد وضع الإنجليز القدامى نظاما تدريجيا يتكون من مستويات عديدة :
-الأدب النخبوي Littérature Higt Brow
-الأدب المسلي littérature Middle Brow
-الأدب الشعبي الخالص Littérature Low Brow
نلاحظ أن هذا التمييز بين عدد من أساليب الإنتاج يجرى الإنفصال فيه بواسطة طبيعة الأعمال الأدبية بدلا من التركيب الإجتماعي للجمهور، إن شبه الأدب مجسد في الصحافة والإذاعة والتلفزة والمجلات حيث تنتقل قصص شبه الأدب وإشكاله وشخصياته من المطبوع إلى الصورة ومن الصورة إلى المطبوع.
هل الشعب اليوم هو الفلاحون الذين درسهم جريم في بدايات القرن 19 وهل يدخل معهم (مع الفلاحين) الأميون الذين درسهم علماء الأنتروبولوجية وكانوا قبل معرفتهم الكتابة يتناقلون معارفهم عن طريق الكلمة المنطوقة ؟ أو أنهم هؤلاء الناس الذين يتجردون من الفولكلور (التراث) لأنهم يفتقدون التقاليد الفنية أو الأدبية كما ذكر ذلك (اكسندر كراب) أو لأنهم يفتقدون الطبقة المثقفة كما ذكر (ريتشارد دورسون) هل يتضمن مفهوم الشعب الناس في المجتمعات الصناعية والمدنية أو أن هؤلاء الناس يفتقدون المادة الشعبية (الفولكلور) (التراث) من هو الشعب إذن ؟
إن هذه القضية في غاية الأهمية في الدراسات الشعبية يرى 'الآن دندس) أن بعض علماء الفولكلور لا يزالون يربطون – خطأ- بين الشعب ومجتمع الفلاحين أو المجموعات الريفية. إذا قبلنا أو سلمنا بهذا المفهوم الضيق للشعب كان علينا عند التعريف أن ننتهي إلى أن الناس الذين يسكنون المدينة أو المركز الحضري لم يكونوا يوما من الشعب أو أنهم أصبحوا يشكلون مجتمعا خارج نطاق الشعب أوأنهم ليس لهم فولكلور.
يرى (تومز) عندما صاغ لأول مرة مصطلح الفولكلور أن الشعب يصبح هو ذلك (الجزء من السكان الذي احتفظ بالعادات وآداب اللياقة القديمة) أي الفلاحين وأهل الريف وهذا المفهوم للشعب هو الذي دفع (اندرولانج) إلى تعريف الفولكلور بأنه (دراسة الرواسب أو الموروثات الثقافية) ويذهب (ردفيلد) إلى أن الشعب (جماعة محافظة ملتزمة بالقديم) وأن مصطلح الشعب يشمل الفلاحين والأجلاف الذين لا يعتمدون على المدينة اعتمادا كاملا. أما (أودم) فيري أن الشعب يعني (جماعة تاريخية يرتبط أفرادها بتراث مشترك وشعور خاص بالتعاطف قائم على خلفية مشتركة)
ويعرف (بتش) الشعب معتمدا على التمييز بين هؤلاء الذين يغلب عليهم الجانب العاطفي في تفكيرهم وممارستهم للحياة وبين هؤلاء الذين تسيطر عليهم العقلانية والمنطقية فيقول (إننا نفهم من كلمة FOLK ذلك الحشد الكبير من أولئك الذين تتميز حياتهم الداخلية بصفة عامة بمشاعر حادة وخيال حي، في حين نجد في دنيا المتعلمين أن التفكير المنطقي هو المسيطر فعلا أو ينبغي أن يكون كذلك.)
والشعب عند (فايس) نوع من السلوك الذي يساهم كل فرد فيه بنصيب وهو عبارة عن موقف عقلي وروحي يحدده التراث والمجتمع.
ويدل الشعب في المفهوم الأثنولوجي على (العامة من الناس الذين يشتركون في رصيد أساسي من التراث القديم)
-حاول الكاتبان (لاكور) و(سافارد) أن يحددا مفهوم الشعب فذهبا إلى أن الشعب لا يعرفه الباحث بموطن السكن أو بالعادات أو بالفقر والغنى أو الطبقة الإجتماعية أو باستعمال السياسيين، لا ينبغي أن نميز بين الريفي والحضري أو بين العامل والبرجوازي، بل يجب البحث عن الشعب التلقائي والمادة هي كل ما تنتجه العبقرية الشعبية من أفكار وعادات ومشاعر وخلق وابتكار... إنها كل ما يعبر عن أصالة الشعب عن طريق المثل أو المحاكاة وكل ما تفجره طبيعة الشعوب عن تجارب في كل لحظة.
إن الكاتبين يقولان "إننا لانستطيع أن نجد الشعب في أي مكان بل إن الشعب يتحدد وجوده تبعا لعوامل جغرافية أو اجتماعية محددة. فالشعب يجب أن يكون مختلفا عن الخاصة كما أن الفوكلور مختلف عن مأثورات الطبقات العليا وتراثها. ومهمة دارس الفةلكلور هي أن يتعرف على العبقرية الشعبية من خلال المأثورات الجماعية المجهولة المؤلف التي تعبر عن الحاجات الروحية والمادية للإنسان الشعبي.
ولعلنا نلاحظ من استقراء هاتين العبارتين أنهما يريان أن الإهتمام الرئيسي لدارس الفولكلور يجب أن يكون (الشعب) الذي يعتبر جزءا من السكان بالإضافة إلى الموروثات الشفاهية المجهولة المؤلف الجماعية.
لقد استخدم المؤلفان تعبيرات مثل (شعب تلقائي) (العبقرية الشعبية) (الطبيعة الشعبية) (الماثور الجماعي) (المجهول المؤلف) وهي كلها تعبيرات ذات طابع رومانسي لعلهما متأثران بمثاليات هردر وشلينج والأخوين جريم إذ تظهر عند هؤلاء الرومانسيين صورة هؤلاء الناس التلقائيين الذين يبدعون الشعر والأغاني والحكايات. كما أنهم تحدثوا أيضا عن التدفق الشعري الأصيل في الطبيعة الإنسانية، المجهول الأصل الذي يعود إلى بداية التاريخ واستمر حيا من خلال الشعب حتى اليوم، إن علماء الفولكلور الفرنسيين مازالوا متأثرين بهذه الأفكار وينظرون إلى الفولكلور على أنه عمل فني محض لم تزيفه المدنية والكتب وأنه مؤلف من قبل الجماعة. وهكذا فإن المؤلفين (لاكورسيير وسافارد) تأثرا بالنظرية الرومانسية.
لقد ناقش هانري دافنسون) مؤلف "كتاب الأغاني Le livre de chansons 1965 P 39-40"
المشكلة من ناحية احتمال وجود مثل هذا الشعب من وجهة نظر الأمة الفرنسية، فهو يرى أن هذا المفهوم إذا كان صحيحيا .، فإنه يجب أن يكون هناك جزء من الأمة قد انفصل تماما عن (الخاصة) وأن هذا الجزء يفترض أنه مكون من أفراد أميين لا يعرفون القراءة والكتابة وفي استطاعتهم تطوير ثقافة جمالية خاصة بهم، وأن الباحثين إذا ذهبوا لدراسة هؤلاء الناس فإنهم سيجدون مواد كثيرة تناسب غرضهم ولكنهم سيجدون أيضا أن بعضا من انتاجهم يجب أن يستبعد لأن مؤلفيه معروفون في حين أن ذلك ليس صحيحا، فالمجتمعات الحديثة لم تعد تعرف تلك الطبقة أو الجماعة المعزولة عن بقية الشعب بحيث لا تؤثر فيه ولا تتأثر به، فالمدرسة والراديو والجرائد تنقل إلى كل إنسان تقريبا في أي مجتمع المعلومات والمعارف المختلفة.
إن المؤلفين (لاكور سييروسافارد) يوحيان بأنهما لم يكونا مهتمين بهذا المفهوم عن الشعب، فهو ليس الأفراد ولا الجماعات أو المجتمعات ولكنه آثار جمالية موجودة في بعض الأفراد، وتتبعا بعض الأغاني والحكايات القديمة التي اعتقدا أنهما تحتوي على قيمة أدبية كبيرة، هذه الحكايات والأغاني يمكن أن توجد كما يقولان في أي مكان وبين أي فئة من فئات المجتمع، وبدلا من جمعها حيثما وجدت ودراستها ذهبا إلى الميدان تحت تأثير بعض أفكار الرومانسيين الألمان ونسبا كل المضامين للأفراد الذين أمدوهم ببعض آثار الأدب الشعبي وهكذا قسما المجتمع إلى قسمين :
•الأول : الشعب وهو على السبيل المثال الأفراد الذين يعرفون بعض الأغاني والحكايات والأمثال وما إلى ذلك التي يتذكرونها من الماضي البعيد.
•الثاني : الخاصة وهم أصحاب الثقافة الرفيعة المتعلمة من الكتب.
الحقيقة أن المعرفة أو الجهل ببعض الأغاني والحكايات لا تصلح اساسا معقولا أو مقوما صالحا لتمييز مجموعة من الأفراد على أنهم شعب أو لبناء دراسة علمية. فالإختلافات بين الأفراد والجماعات من وجهة نظر علماء الإجتماع والأنثربولوجيا تأتي من أنهم نتاج بناء اجتماعي يتضمن أشياء كثيرة ويتأثر بدرجة التغير الثقافي الذي ينعكس على الأفراد والجماعات، إن الدراسة التي تنتخب بشكل عشوائي عناصر معينة من ثقافة مجموعة واحدة قد تصلح كأساس لدراسة أدبية أو غير ذلك ولكنها لا تستطيع أن تدعى القدرة على شرح أو وصف العبقرية الشعبية (Génie Populaire) لمجموعة أو مجتمع (أو الإصالة الشعبية) (l’authenticité Populaire) إن الفلاحين مثلا أكثر قدرة من غيرهم أن يحتفظوا لمدة أطول بالعادات والأغاني والحكايات وغيرها وأن يتذكروا أكثر من الذين يسكنون المدن حيث تنشأ أشياء جديدة كل يوم.
إن ما يحتفظ به الفلاحون ليس ملكا لهم وحدهم، فهم يشتركون فيه مع غيرهم من الناس ، فقد نجد أغنية كانت شائعة في مدينة الجزائر العاصمة في الأربعينات أو الخمسينات أو الستينات وما تزال تتردد في بعض القرى حتى اليوم فلا تشير إلى أنها من صنع الفلاحين الذين يغنونها حاليا ولذلك لا يمكن أن نستنتج منها عن العبقرية الشعبية للجماعة التي تنتمي إليها المغنية أو المغني، إن الأغنية التي ترددها قروية من المدينة في الراديو أو التلفزيون ليس دليلا على وجود اختلافات جوهرية بين الأفراد، إن الفرق يمكن أن يوجد بين الأغاني المختلفة نفسها وليس بين الناس الذين يغنون، وقد يقول أحدنا أن الأغنية التي كانت شائعة في الربعينات ليست فولكلورا وليست قديمة قدما كافيا من هم إذن المبدعون لهذه الأشكال المجهولة الأصل ؟ هل أبدعها الشعب ؟ هل أبدعها المتعلمون ؟
وإذا سلمنا مع المؤلفين الرومانسيين بأن هذا الفولكلور هو تراث الأفراد الذين لم تدنسهم الكتابة أو التعليم وأن أشكال التعبير التي كانت الطبقات الإجتماعية الدنيا طوال التاريخ تعبر بها عن نفسها قد ظلت بعيدة عن الخاصة مجهولة، هل الحال كان كذلك دائما ؟
أجاب (لورد راجلان Lord Raglan ) و (تشارلس لويس Charles Lewis) (والبرت دوزات Albert Dauzat) بالنفي وأكدوا أن هذه الأشكال يمكن ان يكون الخاصة قد اشتركوا في ابداعها وتداولتها في الفترة نفسها، لا ينبغي أن يكون فرد على قدر من الموهبة والعلم بهذا الشكل وأسلوب تكوينه لكي يبدع مما يجعله يختلف عن غيره في المجتمع.
إن مصطلح الشعب يمكن أن يشير كما يرى (الآن دندس) إلى مجموعة من الناس تشترك في عامل واحد مشترك على الأقل، وليس من المهم في هذه الحالة ما إذا كان هذا العامل الذي يربطها عامل مشترك أو مهنة مشتركة أو دين واحد ولكن المهم أن يكون أفراد المجموعة مرتبطين مع بعضهم البعض بقدر من التقاليد والموروثات التي يعتبرونها خاصة بهم وتتيح لهم أن تكون لهم حياة شعبية.
وتذهب إحدى النظريات إلى أن المجموعة يجب أن تتضمن على الأقل شخصين، ولكن الحقيقة أن معظم المجموعات تتكون من كثير من الأفراد. وقد لا يعرف عضو المجموعة كل الأعضاء الآخرين ولكن المرجع أنه يعرف الجوهر المشترك للتراث الخاص بالجماعة، والتقاليد التي تساعد هذه الجماعة على أن يكون عندها الإحساس بذاتية معينة خاصة بها ومن ثم فإذا كانت الجماعة تتألف من الصيادين أو الفلاحين أو أعمال البناء فإن الفولكلور سيكون من إنتاجهم.
ويمكن أن يشكل طلاب الجامعة في هذه الحالة جماعة لها فولكلورها الخاص بها الذي يعبر عن الحياة الجامعية وعاداتها وتقاليدها ونظرة الطلاب إليها.
وعلى الرغم من أن الرأي الذي ذهب إليه (آلان دندس) قريب من الصواب إلا أننا ينبغي أن نشير إلى أن الجماعات المختلفة سواء أطلقنا عليها إسم الشعب أو جماعة شعبية لا يعني أن هذه الجماعات تستقل بنفسها عن غيرها من الجماعات التي تكون المجتمع بل أنها تشترك مع بعضها البعض في عناصر كثيرة أثمرها التفاعل المستمر والتأثير والتأثر المتبادل بينها جميعا ويبدو منصهرا في ثقافة شعبية واحدة.
ويرى (جيرامب) في مقال له عنوانه (ماهو الفوكسكندة) أن روح الشعب التي كثر استعمالها تعني تجاربه الداخلية وهو يعني هنا التجارب الجماعية وليس الفردية، والشعب يستعين بالأسطورة والحكاية واللغز والمثل والأغنية والشعر والسيرة للتعبير عن هذه التجارب والخبرات التي تكشف عن هذه التجارب معتقداته وتقاليده وعاداته وأعرافه وقيمه.
عرف (جيرامب) الشعب بأنه تلك الجماعة العضوية التي تشترك معا في تكوين الحضارة، وهذه الجماعة ليست من وجهة نظر الأمة جميعها، ولكنها تلك الجماعة التي تنشأ في الأرض الأم وترتبط بها ارتباطا قويا، مما يجعلها تعيش في شكل وحدة عضوية متماسكة.
وفي عام 1946 صدر كتاب رائد للباحث (ريتشارد فايس) تحت عنوان "الدراسات الشعبية السويسرية" وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يختص بدراسة التراث الشعبي السويسري فإنه أحدث صدى كبيرا لما يحتوي عليه من دراسات نظرية على جانب كبير من الأهمية، وقد عارض فيه اختصاص الدراسات الشعبية بطبقة بعينها دون الأخرى، وذلك أن كل فرد من وجهة نظره ينتمي من ناحية السلوك الروحي إلى ما هو شعبي وما هو فردي معا بمعنى أن (فايس) لا يبحث عن الشعب من ناحية تكوينه الإجتماعي بل من ناحية سلوكه الروحي، ومن ثم يمكن أن يكون كل فرد موضوعا للدراسات الشعبية بناء على درجة الشعبية في تكوينه الروحي والفكري ومقياس هذه الشعبية يتحدد بدرجة ارتباط الفرد بمجتمعه وتراثه.
إن مدرسة النقد الإجتماعي الماركسي يعطي للنعوت (حكاية شعبية/تراث شعبي/خيال شعبي) معنى طبقيا يقوم على المفهوم الإجتماعي لكلمة "شعب" وكأن وظيفة التراث الشعبي أو الثقافة الشعبية/ محصورة في التعبير عن الصراع الطبقي، بين الجماهير العاملة والفئة الحاكمة، إن كتاب باكتين Bakhtine يتوخى هذه الطريقة في تأويل ظاهرة الكرنفال في التراث الشعبي الغربي، وقد غاب على ذهن المؤلف أن الحفلة الكرنفالية (La fête carnavalesque) حفلة جماعية تشارك فيها كل الأصناف الإجتماعية دون تمييز.
تجاه هذه الأبعاد فإن المشكلة العويصة المطروحة بإلحاح شديد هي التي تمثل أساسا في تعريف الواقع، ماهو الواقع ؟ ماهي عناصره أو مكوناته ؟ هل على سبيل المثال يمكن أن نعتبر المعتقدات والخرافات والخوارق والقوى الغيبية جزءا من الواقع وعل أي مستوى ؟
وبعبارة أخرى هل يمكن استبعاد وحذف من تصورنا للواقع التأثيرات الحقيقية بسبب أنها تبدو لنا مشبوهة في ملاحظتنا النقدية، أن الناقد أو الأديب الكلاسيكي لن يقبل بسهولة مثل هذا التعريف للواقع. بل سيرفض الحكايات الخيالية وسيتردد من ادماج الطقوس السحرية والدينية بوصفها عنصرا مكونا للأدب ويفضل عند اللزوم أن يخصص لها فصلا خاصا يتضمن المظاهر الزخرفية والغريبة، ونستنتج مما سبق أنه هناك أبعادا مختلفة للواقع وطرقا عديدة للتحليل وتفاعل القوى الحاسمة لأفكارنا ونشاطاتنا بشكل مخالف، ولعل السبب العميق يتمثل في الإختلافات المتنوعة المتصلة بتصورات المجتمعات المتعددة، إذ نلمس فرقا شاسعا على سبيل المثال بين التصور الغربي العقلاني الفاقد لصفة القداسة وبين التصور الثقافي الإفريقي الذي يؤمن بالقوى الحيوية في الحياة اليومية.
إن الخروج عن المألوف ماهو إلا قراءة بطريقة خاصة للواقع، إن العجز عن تحقيق الرغبات والإنشغالات يؤدي بالمبدع إلى اللجوء إلى الخيال فالرموز والسحر والغرابة تعبير عن حرمان اجتماعي يهدف إلى إعادة النظام إلى أصله والتوازن في الإنسان.
يلاحظ رومان جاكوبسون أن في كل تركيب نحوي يوجد عنصر أساسي ينظم ويحول العناصر الأخرى ويضمن تكاملية البنية. فهو يطلق إسم الخاصة الغالبة Dominante على المبدأ الذي يحكم في كل رسالة لفظية. وفي شبه الأدب تثبت الخاصة الغالبة داخل كل جنس أو شكل وتحدد وتوضح خصوصيته، إن رواية شبه الأدب لا يتوقف سوى على سلطة الخاصة الغالبة التي تمتص مجموع الدلالة وتؤثر في كل شخصية وكل حدث أو فعل وتمنحهم جميعا مكانه ووظيفته، وعلى سبيل المثال نجد الخاصة الغالبة في الرواية البولسية تتمثل في اللغز والتحقيق وتنحصر بالنسبة للرواية الخيالية في المفهوم أو المتخيل. وتتمثل الخاصة الغالبة فيما يتعلق بالرواية الجاسوسية في الأسرار والأخبار والعدو الخارجي، إلا أن الخاصة الغالبة غير كافية لأعداد تصنيفة Typologie متعلقة بمجموعات شبه الأدب ولذلك يجب الأخذ بالإعتبار المعطيات الفضائية والزمانية.
ومن هنا نستطيع أن نحدد مجموعة من الصفات التي تميز الأدب العامي عن الأدب الشعبي.
وقد حصر الباحث محمود ذهني هذه الصفات فيما يلي :
1-يستخدم الأدب العامي اللهجة المحلية التي تحررت من الأعراب ولهذا أطلق عليه صفى الدين الحلي إسم الأدب العاطل ووصفه بأن إعرابه لحن وفصاحته لكن وقوة لفظه وهن لذلك فإن ورود ألفاظ فصيحة أو معربة في الأدب العامي يعتبر عيبا بنفس القدر الذي يعتبر ورود ألفاظ عامية في الأدب المدرسي نقصا فادحا، ومن هنا فإن لغة الأدب العامي لاترقى إلى التعبير عن الفكر إذ نجدها مختصرة يصعب كتابة أصواتها غالبا وتختلف في دلالة كثير من مفرداتها. إن كلمة (بز) تعني في الغرب الجزائري الطفل الصغير وفي الشرق تعني عند البعض الصغير الطائش وعند البعض الآخر صفة للشتم بمعنى لقيط. إن الأدب العامي يتوسل بالكلمة ولكنها غير كافية للتعبير عن الغاية لذلك يستعين بالحركة التمثيلية والإشارية (حركة اليد، العين، الرأس).
2-يقتصر الأدب العامي على البيئة المحلية ويعبر عن احتياجات الإنسان فيها.
3-يعبر الأدب العامي عن اهتمامات محصورة في نطاق أصحابها دون أن يستطيع التطرق إلى القضية الإنسانية العامة أو انشغالات الجماهير الواسعة.
4-يتناول الأدب العامي موضوعات الساعة ولهذا يكاد يكون أدبا موسميا لا يعيش إلا في حدود المشكلة التي يعالجها، فإذا ما انتهت المشكلة فقد هذا الأدب جانبا كبيرا من قيمته، فهو من حيث هذه الخاصية أقرب ما يكون شبيها بالرسوم الكاريكاتورية التي تكن قوية التأثير وقت ظهورها المرتبط بحدث معين فإذا مر الزمن على هذا الحدث فقدت قيمتها.
5-وبما أن الأدب العامي محصور في نطاق إقليم ضيق يكون دائما معروف القائل منسوبا إلى صاحبه في حدود المكان والزمان بعكس الأدب الشعبي الذي ينتسب إلى فرد هو أول من أوجده ولكن دوامه يدل على تداوله بين الشعب.
6-يعتمد الأدب العامي على صوتيات الكلام ولذلك يتجه إلى الموسيقى كعامل مساعد، ولذلك كانت معظم ألوانه منظومة. قدم صفى الدين الحلى دراسة كاملة عن الأدب العامي يقول "ومجموع فنونه عند سائر المحققين سبعة فنون لا اختلاف في عددها بين أهل البلاد وإنما الإختلاف بين المغاربة والمشارقة فنين منها، والسبعة المذكورة هي عند أهل المغرب ومصر والشام : الشعر القريض والموشح والدوبيت والزجل والمواليا والكان كان والحماق".
7-يتوقف الأدب العامي على فن الغناء فأصبح لا يصل إلى الناس إلا بواسطة الأغنية وصار الزجال يطلق عليه لقب الشاعر الغناي، إن الغناء الشعبي أسبق الفنون إلى الظهور ولاسيما الغناء الجماعي الذي استخدمه البدائيون في الحرب والسلم معا .وفي بث روح التماسك بين أفراد القبيلة في مواجهة الخطر الخارجي أو من الحيوانات أو من الطبيعة وكذلك في المراسم والطقوس الدينية، وقد أدى فن الغناء بالأدب العامي إلى فقدان ذاتيته. وتعد الأغنية النموذج المفضل لتوضيح حدود الأدب العامي والأدب الشعبي وبيان رواج نصوصهما الغنائية. يرى الباحث محمد عيلان أن مسميات الأغنية تتعدد في الأدبين العامي والشعبي، فقد تنسب إلى المكان مثل أغنية أوراسية، أغنية صحراوية، أو تنسب إلى القبائل والأعراش مثل أغنية قبائلية، ترقية، سوفية أو إلى أفراد لهم قدسيتهم في ذهن العامة أمواتا أو أحياء كالأولياء الصالحين وهو نوع من الغناء الروحاني الصوفي يعد من آثار تمجيد السلف والتعلق بسلوكه وطقوسه وقد تنسب الأغنية إلى الأحداث مثل أغنية ثورة التحرير(يا أمي لا تبكي علي)، وقد تنسب إلى الزمن دون تحديد كقولهم أغاني عصرية أغاني عام الشر، عام الروز، عام الماريكان وهي الأغاني التي تعبر عن أحداث وقعت أثناء الحربين العالميتين، وهي معروفة بالشرق الجزائري، وقد تنسب إلى علم معروف فيقال أغنية فولكلورية نسبة إلى الفولكلور الذي يطلق أحيانا على المادة موضوع الدراسة وأحيانا أخرى على العلم الذي يدرسها بأدواته ومناهجه، تندرج أغاني الحاج رابح درياسة أو عبد الحميد عبابسة وخليفي أحمد ضمن الأدب الشعبي لأنها تستمد مادتها من الشعر الملحون، بينما تعد أغاني (مول الشاش) و(أسا نزها) أو (صب الرشراش) وأغاني الشعبي العاصمي الذي طوره المرحوم الحاج محمد العنقاء وبعض الشيوخ الآخرين من الأدب العامي.
وهناك من الأغاني المعروفة في الأدب العامي باسم الراي، والرأي أصلا من بكائيات الأندلس فهو لحن لأغاني الندب لأن الأندلسيين الفارين من بلادهم التي استرجعها الإسبان والذين نزل بعض منهم بمنطقة الغرب الجزائري كانوا يبكون مدنهم بقولهم (ياراي ياراي لو أنك كذا) وفي مجال الأغنية العامية يمكن أن نشيد بالمرحوم دحمان الحراشي الذي استطاع أن يطور الأدب العامي وينقله إلى مستوى الأدب الشعبي ويتجاوز الحدود ومثال ذلك (يا رايح وين مسافر).
وينفرد الأدب العامي بأن يكون أكثر أداء للأغنية المقاومة، أما الأدب الشعبي بالنسبة للباحث محمد الفاسي في البلاد العربية فإنه نقصد به قبل كل شيء ما قيل من نثر أو شعر باللغة القريبة من الفصحى سواء عرف قائله أو كان مجهولا ومن أشكاله السير الشعبية والملاحم والقصص والخرافات والأساطير والألغاز والأمثال والنوادر ونداءات الباعة والنكت والأغاني والأذكار والشعر الصوفي والحكم.
أما عند الغرب فإن الأدب الشعبي يطلق على الخصوص على ما يروج بين الناس من أجناس دون أن يعرف القائل أو ما ألف بخصوص طبقات الشعب التي ليست لها ثقافة تؤهلها لتذوق الإنتاجات الأدبية لكبار الكتاب والشعراء وتفهمها. ويطلق من جهة ثالثة كذلك على المؤلفات التي تتعرض لوصف الأحوال الإجتماعية لطبقات الشعب العامة، وبما أن اللغة العامية عند أهل الغرب ليست بعيدة عن لغة الكتابة فإن الإنتاجات الأدبية الشعبية ضعيفة .
وتوجد ظاهرة مشتركة بين الأدب العامي والأدب الشعبي وهي أن هناك من الأدب العامي ما يتحول إلى أدب شعبي وكذلك يتحول الأدب الشعبي إلى أدب عامي ويخضع كل منهما في الإنتقال من مرحلة إلى أخرى لعملية التغيير تجعله قادرا على التعبير عن الرغبات الفنية للجمهور.
المحاضرة رقم 05: إشكالية جمع المادة الشعبية وتدوينها والبحث فيها
كان موضوع الجمع للمادة الشعبية محل إهتمام الأدباء والدارسين منذ قرون طويلة، وقد وجدت بعض أشكال المادة الشعبية في جدران المعابد القديمة أوعلى صحاف الفخار وجلد الغزال ،وصمدت المادة الشعبية عبر الزمن وقاومته منذ حضارات الدجلة والفرات والنيل، إن الظاهرة الشعبية ذات قيمة تاريخية لأنها عريقة من صنع الأسلاف .
تطرح إشكالية جمع المادة الشعبية وتدوينها والبحث فيها مسائل ثلاث :
1- المصدر الذي يمكن أن يعتمد الباحث عليه فى جمع المادة.
2- المنهجية السليمة التي يجمع الباحث بها المادة ويدونها.
3- المنهجية السليمة التي يحلل بها ويدرسها بعيدا عن الإعتبارات الذاتية والعرقية والإيديولوجية .
يكاد يتفق العلماء على أن الباحث في ميدان الفولكلور يحصل على مادته من ثلاثة مصادر رئيسية هي :
أ- الميدان : ونقصد العمل الذي يحصل الباحث به المادة من أصحابها.
ب-الأرشيف : وهوعبارة عن العناوين القديمة والمواثيق والمخطوطات والوثائق الأخرى ذات الأهمية التى تتعلق بالدولة أوالمدينة أوالعائلة وغير ذلك.
ج- المدونة : وهي المصدر المطبوع أوالمخطوط الذي ترد المادة الشعبية فيه عرضا لأنها ليست
متخصصة في ميدان الفولكلور ،وتعد مصادرها متنوعه منها الرحلات والكتب الجغرافية والتاريخية
والادبية وغير ذلك.
يعتبر جمع المادة الشعبية وتدوينها والبحث فيها عملية معقدة لأسباب كثيرة :
1 - تطرح قراءة منهجية جديدة للثقافة بإعتبار أن المادة الشعبية تحدد هوية الإنسان دون شروط مسبقة. 2 - تدعوالمادة الشعبية الباحث إلى تناولها من داخلها أي دون تسلط عليه قراءة خارجية عنه وإنما يمكن
ذلك بعد دراستها بوسائلها الثقافية التى تتضمنها هي نفسها، والمقصود بالقراءة الثقافية هوأن ينظر الباحث إلى الأثر الشعبي في ذاته ويقيمه بإعتماد على مقوماته الخاصة وليس من وجهة نظر المدرسة الغربية .
3 - ليس هناك طريقة واحدة يعتمد عليها الباحث فى جمع المادة الشعبية وإنما هناك اطار عام اتفق العلماء عليه .
4 - تتميز المادة الشعبية بأشكال التعبير ذات العدد الوافر والمتنوع، وهي تنقسم إلى نثر طويل كالأسطورة والحكاية الشعبية والحكاية الخرافية والسيرة، وإلى نثر قصير كاللغز والمثل والحكمة والنكة والإشاعة وإلى شعر وهوأنواع كثيرة، كالشعر الغنائي والشعر القصصي والشعر التمثيلي والشعر الهزلي وشعر الغزل وشعر المدح وشعر الرثاء وشعر الهجاء.
إن الحصول على المادة ونقلها وتدوينهامشكلات يواجهها الباحث بسبب طبيعتها الشفوية، كما أن خضوع المادة الشعبية إلى الدراسة تجعل الدارس يبحث عن منهج مناسب لخصائصها، وقد اعتمد بعض الباحثين على مناهج القدامى كالأصفهاني (كتاب الأغاني ) وابن خلدون الذي أشار إلى قواعد جمع المادة الشعبية، وقد نالت المادة الشعبية إهتماما بالغا في القرن الثامن عشر على يد الإخوة جريم .
WILHEM.GRIMM (1786-1859) – JACOB GRIMM (1785-1863)
وفيما يتعلق بالجزائر فإن جهود الجمع والتدوين بذلها عدد من الباحثين إلا أنها ظلت ناقصة لعدم عنايتها لروح المادة، وقد حصر الباحث سعيدي محمد هذه الأعمال في ثلاث تيارات :
1 – التيار الاول :
* الترجمة : يقوم هذا التيار بتدوين الأعمال الأدبية الشعبية باللغة الاجنبية دون أن يحافظ على النص الأصلي، وعلى سبيل المثال أعمال ليوفروبينوس (1938-1873) LEO FROBENUS
الذي جمع الحكايات القبائلية الشهيرة في أربعة أجزاء باللغة الألمانية بعنوان
VOLKS MAVCHEN DER KABYLEN
وقد مهد لها بالحديث عن تجربته التي إكتبسها من خلال العمل الميداني في بلاد القبائل ولا سيما ما اتصل بالشفويات وعرف خصائص المنطقة الجغرافية والتاريخية والإجتماعية ولكنه مع ذلك أهمل النص الأصلي وبذلك صار الجمهور الذي توجه إليه بهذا العمل يؤلف وسطا إجتماعيا ينتسب إليه الكاتب نفسه أعني البيئة الألمانية، ومن هنا تطرح هذه الترجمة مشكلة لغوية وجمالية ومعرفية، وهذا ما قصده بوفون BUFFON
بقوله : إن الاسلوب ليس الإنسان فقط بل إنه المجتمع أيضا، فمهما بلغت عبقرية المؤلف الخلاقة فهولا يستطيع أن يتجاهل الخصائص المحلية التى يرتبط بها العمل الأدبي الشعبي .
ويثير هذا العمل اهتمام CAMILLE LACOSTE DUJARDIN وتترجمه إلى اللغة الفرنسية في أربعة أجزاء، وقد سار على هذا التقليد دارسون جزائريون منذ فترة الإحتلال وتندرج TAOS AMROUCHE ضمن هذا التيار بعملها المشهور بعنوان :
LE GRAIN MAGIQUE, CONTES, POEMES, PROVERBES BERBERES DEKABYLIE
إن الخطأ في هذه الترجمة هوأن الباح
« التيار الثاني :
* التعريب :
يدون هذا التيار العمل الشعبي باللغة العربية الفصحى مثل كتابي رابح بلعمري (بذور الألم) و(الور